للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويعلق السيرافي بكلام مُهِمّ على هذا النَّصّ قائلا: «إِنَّ ابتداءك بالنكرة لتحدث عنها غير مستقيم؛ لأَنَّ المخاطب ليس ينزل منزلتك في معرفتها. وحكم الخطاب المفهوم أَنْ يساوِي المخاطب المُتَكَلِّم في معرفة ما خبره به، فإذا قال: كان زيدٌ عالمًا؛ فقد كان المخاطب عالمًا بزيد من قبل، وقد عرف علمه الآن؛ لإخبار المُتَكَلِّم إياه، فقد ساواه في الأمرين جميعًا، وإذا قال: كان عالمٌ زيد؛ فعالم منكور لا يعرفه المخاطب، ولم يجعله خبرا فيقيده، وقد قدمنا أَنَّ الأسماء لا

تستفاد، فمعرفة المخاطب بعالم غير واقعة، فلم يساو المخاطبُ المُتَكَلِّم إذن؛ لأَنَّ المنكور في الإخبار ما لا يعرفه المخاطب، وإن كان المُتَكَلِّم قد رآه وعرَّفه») (١).

إن البدء بنكرة يعني عدم تحديد نقطة معرفية تصلح لبناء الكلام عليها، وما يأتي بعد هذه النكرة لغو لا فائدة فيه للمخاطب. إِنَّ الهدف من الجملة الاسمِيَّة وخبرها أَنَّ المُتَكَلِّم يريد أَنْ ينقل

«فائدة» عن «شيء مُحَدَّد ومعروف» للمخاطب، وأنَّ المُتَكَلِّم يريد أَنْ يساوي بينه وبين المخاطب في الفائدة التي يعرفها عن هذا الشيء المُحَدَّد، فإذا بدأ المُتَكَلِّم بنكرة؛ ضاعت هذه الفائدة، ولم يستطع المخاطب أَنْ يضعها في موضعها المناسب ولا أَنْ يستفيد بها. فما الفائدة التي تعود على المخاطب عندما نبدأ بكلمة «رجلٌ» النكرة في قولنا: «رجلٌ يأكل»، فمن الطبيعي والمنطقي أَنَّ أي رجل يأكل، فهذه الجملة وأشباهها لا تحمل أَيَّة فائدة للمخاطب؛ لأَنَّ الاسم النكرة كلمة تطلق على جنس يشمل أفرادًا كثيرين، فأي منهم ستُناطُ به الفائدة التي سيقولها المُتَكَلِّم.

يقول سيبويه: «ولا يبدأ بما يكون فيه اللَّبس، وهو النكرة. أَلا ترى أنَّك لو قلت: كان إنسانٌ حليمًا أو كان رجل منطلقًا، كنتَ تُلْبسُ؛ لأنَّهُ لا يُستنكَرُ أَنْ يكون في الدنيا إنسانٌ هكذا، فكرهوا أَنْ يَبْدَءوا بما فيه اللَّبس ويَجعلوا المعرفة خبرًا لما يكون فيه هذا اللَّبس») (٢).

إذن فالأساس الذي عليه تبنى الجملة الاسمِيَّة هو ألا تُبدأ بنكرة بحال من الأحوال، إلا إذا تم «تضييق دائرة التنكير والعمومية» التي تكون في النكرة، و «تقع الفائدة للمخاطب») (٣). ومن الحالات التي تضيق فيها دائرة التنكير والعمومية، أَنْ تقع النكرة في سياق نفي، كما يشير إلى ذلك سيبويه


(١) شرح كتاب سيبويه: ) طبعة هيئة الكتاب (٢/ ٣٧٣
(٢) سيبويه: الكتاب، ١/ ٤٨
(٣) السيرافي: شرح كتاب سيبويه، ١/ ٣١٧، ويقول النُّحَاة في تعريف الإفادة: ((الإفادة: مصدر أفاد، والمراد بها إفهام معنى من اللفظ يحسن السكوت عليه: من المُتَكَلِّم، أو من السامع، أو كل منهما)). ينظر: محمد محيي الدين عبد الحميد: تنقيح الأزهرية، ص ٥

<<  <   >  >>