للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في باب «تخبر فيه عن النّكرِة بنكرة» قائلا: «وإنّما حَسُنَ الإخبارُ ههنا عن النكرة حيث أردت أَنْ تَنفِىَ أَنْ يكون في مثل حاله شئٌ أو فوقه، ولأَنَّ المخاطَبَ قد يحتاج إلى أَنْ تُعْلِمهَ مثلَ هذا») (١).

ومما هو جدير بالذكر هنا أَنَّ النُّحَاة بعد سيبويه أوصلوا مواضع النكرة المفيدة حين تقع مبتدأ إلى نحو أربعين موضعًا. تلك المواضع المتعددة جعلت بعض النحاة يضع ضابطا كليا لها. نقل الصبَّان في حاشيته القول في ذلك فذكر: «لم يعتنوا بتعديد الأماكن التي يسوغ الابتداء فيها بالنكرة، وإنما ذكروا ضابطًا كليًا وهو أنَّه متى حصلت الفائدة جاز الإخبار عن النكرة») (٢).

ويعلق الأستاذ عباس حسن على هذا العدد الكبير من المواضع بقوله: «ولا حاجة بنا إلى احتمال العناء في سردها، واستقصاء مواضعها، ما دام الأساس الذي تقوم عليه هو «الإفادة»، فعلى هذا الأساس وحده يرجع الحكم على صحة الابتداء بالنكرة أو عدم صحته، من غير داع لحصر المواضع أو عدها») (٣). ثُمَّ أضاف ــ رحمه الله ــ كلاما نفيسا في الحاشية ذات الرقْم ١ من ١/ ٤٨٦ حيث قال:

«وكذلك فعل سيبويه والمتقدمون؛ ولهذا يرى بعض النُّحَاة ــ بحق ــ أَنَّهُ لا داعي لهذا الشرط) شرط الإفادة (؛ لأنَّهُ مفهوم بداهة؛ إذ لا يتكلم عاقل بغير ما يفيد وإلا عرض نفسه وكلامه للحكم عليه بما لا يرضاه. أَمَّا المتأخرون فتوقعوا أَنْ يخطئ كثيرٌ مواضع الإفادة؛ فحاولوا أَنْ يدلوهم عليها؛ بحصر مواضعها».

إن كلام الأستاذ عباس حسن هنا يؤكد وجهة النظر التي ذُكِرت سلفا وهي أَنَّ سياق الحال يسيطر على الجملة الاسمِيَّة من أساسها، ويؤثِّر فيها بشِدَّة. فالمُتَكَلِّم العاقل يجب أَنْ يحدد مبتدأ معرفة يُنيط به الفائدة التي يريد أَنْ ينقلها إلى المخاطب.

ولا ننسى ونحن في غمرة حديثنا عن المبتدأ وعلاقة سياق الحال به أَنْ نتحدَّث عن الجزء المتمِّم له ونقصد به الخبر. فمن الأمور التي حرص سيبويه على إيضاحها وتأكيدها علاقة التلازم بينهما، وإشارته إلى أَنَّهُ لا وجود لأحدهما بدون الآخر، وأنَّه لا يستغني أحدهما عن الآخر. قال سيبويه في باب «المسند والمسند إليه»: «وهما ما لا يَغْنَى) أو يستغني (واحد منهما عن الآخر، ولا يجد المُتَكَلِّم منه بدًّا، فمن ذلك الاسم والمبني عليه») (٤).


(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ٥٤
(٢) حاشية الصبان على شرح الأشموني، ١/ ٢٩٩
(٣) النحو الوافي: ١/ ٤٨٥ ــ ٤٨٦
(٤) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٣

<<  <   >  >>