للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقيد الذي وضعه النحاة للحال أنَّه «مسوق لبيان الهيئة» مرتبط ــ فيما يظنّ الباحث ــ

بالسِّياق؛ فالهيئة غير اللازمة ولا تكون خِلقة والتي عليها صاحب الحال تجعل المُتَكَلِّم يختار اللفظة المناسبة ليُعَبِّر عن هذه الهيئة؛ فإذا اختلفت الهيئة اختلف اللفظ. فعندما نقول: «جاء محمد

مسرورا، حزينا، نشيطا، شاحبا، مغمض العينين، مجروحا ... »، فنحن لا نحدد اللفظ المعبِّر عن الحال إلا إذا رأينا صاحب الحال أولا، ثُمَّ نحدِّد اللفظ المناسب الذي يُعَبِّر عن هذه الحال، فنحن لا نستطيع أَنْ نعبِّر عن حال أحد أو شيء قبل أَنْ نراه في موقف أو سياق ما؛ أي أَنَّ الحال يتولَّد بعد وجود السِّياق والموقف وليس قبله. لذلك يجب افتراض وجود سياق حال قبل أي جملة تحتوي على «حال».

في ضوء هذا يمكن أَنْ نفهم لماذا نصب سيبويه المصدرين «سِمَنًا وعِلمًا» على الحال في قوله: «أَمَّا سِمَنًا فسمين، وأما عِلْمًا فعالم») (١). والصفات «صديقا وطاهرا وعالما» في قوله:

«أَمَّا صديقًا مصافيًا فليس بصديق مُصافٍ، وأَمّا طاهرًا فليس بطاهرٍ، وأَمّا عالما فعالمٌ. فهذا نصبٌ لأنَّهُ جعله كائنا فى حال علمٍ وخارجا من حال طهورٍ ومصادقةٍ») (٢).

قوله «أَمَّا سِمَنًا فسمين» تتطلب سياق حال لكي نفهم نصب «سمنا» وهو أنَّ المتكلم رأى صاحب الحال في حالة أو هيئة الـ «سِمَن أو سَمانة» أكثر من مرة وفي أكثر من موقف؛ فقال هذه الجملة، وكأنّ هذا الحال ردٌّ من المتكلم على زاعم أو منكر يزعم أو ينكر غير ذلك. يؤكد هذا المعنى عدد من النحاة، منهم:

- ابن مالك إذ يقول: «واطرد أيضا ورود المصدر حالا عند سيبويه في نحو «أما علما فعالم» يريد مهما يذكر إنسان في حال علم فالذي وصفت عالم، كأنَّه مُنكِر ما وصفه به من غير العلم») (٣).

- قال الأشموني: «أما علما فعالم: تقول ذلك لمن وصف عندك شخصًا بعلم وغيره منكرًا عليه وصفه بغير العلم»، ويعمِّم الصبَّان كلام الأشموني هنا فيقول: «قوله: نحو أما علما فعالم؛ أي من كل تركيب وقع فيه الحال بعد أمَّا في مقام قُصِدَ فيه الردُّ على من وصف شخصا بوصفين وأنت تعتقد اتصافه بأحدهما دون الآخر») (٤).


(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ٣٨٤
(٢) سيبويه: الكتاب، ١/ ٣٨٧
(٣) شرح تسهيل الفوائد، ٢/ ٣٢٩
(٤) حاشية الصبان على شرح الأشموني لألفية ابن مالك، ٢/ ٢٥٨

<<  <   >  >>