للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن الاعتماد على المشهور من التراكيب اللُّغَوِيَّة يعني موافقة الجماعة اللُّغَوِيَّة على هذا التركيب، وهذه الموافقة تعني أَنَّ هذا التركيب «يُقَرر ويثبت ... ويجد طريقه إلى نظام اللُّغَة» (١).

ت الاعتماد على سياق الحال في التَّقْعِيد:

هذا العنصر استنبطناه من نصّ أورده الزبيدي والقفطي، كلٌّ في كتابه عن أبي العباس أحمد بن يحيي ثعلب، يقول فيه:

«العربُ تُخرجُ الإعرابَ على اللَّفظ دون المعاني، ولا يفسِد الإعرابُ المعنى، فإذا كان الإعرابُ يُفسد المعنى فليس من كلام العرب. وإنَّما صحَّ قول الفرَّاء؛ لأنَّهُ عمل العربِيَّة والنحو على كلام العرب، فقال: كلُّ مسألة وافق إعرابُها معناها، ومعناها إعرابَها فهو الصحيح. وإِنَّمَا لَحِق سيبويه الغلطُ لأنَّهُ حمل كلامَ العرب على المعاني، وخلَّى عن الألفاظ، ولم يوجدْ في كلام العرب ولا أشعار الفحول إلا ما المعنى فيه مطبّق

للإعراب، والإعراب مطبّقٌ للمعنى. وما نقله هشام عن الكِسائيِّ فلا مطعَن فيه، وما قاسه فقد لحِقه الغمْز؛ لأنَّهُ سلك بعضَ سبيل سيبويه، فعمل العربِيَّة على المعاني وتركَ الألفاظ؛ والفرَّاء حمَل العربِيَّة على الألفاظ والمعاني فبَرع واستحقَّ التَّقْدِمة، وذلك كقولك: ((مات زيدٌ) فلو عاملت المعنى لوجب أَنْ تقول: ((مات زيدًا))؛ لأَنَّ الله هو الذي أماته، ولكنك عاملت اللفظ، فأردتَ: سكنتْ حركاتُ زيد» (٢).

يهمنا في هذا النَّصّ كلمة «المعاني» التي وردت على لسان ثعلب، ومن خلال السِّياق الذي وردت فيه هذه الكلمة؛ فَإِنَّ معنى كلمة «المعاني» تشير إلى أَنَّهُ يقصد بها «سياق الحال» بدليل

قوله: «فلو عاملت المعنى لوجب أَنْ تقول: ((مات زيدًا))؛ لأَنَّ الله هو الذي أماته)). فثعلب يشير أَنَّنا لو أخذنا بالمعنى) وهو إماتة الله للعبد (لوجب أَنْ نقول كذا؛ فهو يربط المعنى بشيء خارج اللُّغَة وهي الخلفيَّة الثقافيَّة) العَقِيدِيّة (عند المسلمين Background knowledge، وهذه الخلفيَّة من مكونات سياق الحال. فثعلب ينعَى على سيبويه ــ بغض النظر عن صحة وجهة نظر ثعلب أم لا ــ لجوئه للمعاني) سياق الحال (.

ث اعتماد القياس:

وهذا العنصر مستخلص من قول الجَرْمِي: «أنا منذ ثلاثين سنة أفتي الناس في الفقه من كتاب سيبويه؛ فقيل له: وكيف ذاك؟ قال: أنا رجل مكثر من الحديث، وكتاب سيبويه يعلمني القياس،


(١) ستيفن أولمان: دور الكلمة في اللُّغَة، ترجمة: د. كمال بشر، مكتبة الشباب، القاهرة، ط ١، (بدون تاريخ
للطبعة)، ص ٣٠
(٢) طبقات النحويين واللغويّين، ص ١٣١، إنباه الرواة على أنباه النُّحَاة، ٤/ ٨

<<  <   >  >>