للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأنا أقيس الحديث وأفتي به» (١). وفي رواية الزجاجي: «وذاك أَنَّ أبا عمر كان صاحب حديث، فلما علم كتاب سيبويه تفقه في الدين والحديث، إذ كان ذلك يتعلم منه النظر والتفتيش» (٢).

والذي يُفهَم من النَّصّ أَنَّ سيبويه اعتمد على القياس في كتابه، وأنَّ الجرمي أخذ طريقته في القياس وطبقها على فتاويه في الفقه. وهنا سؤال: ما خطوات هذا القياس التي كان يقوم بها الجرمي التي أخذها من سيبويه؟ يمكن أَنْ نجتهد في الإجابة عن هذا السؤال، ونكون بإجابتنا عنه قد أجبنا ضمنا عن: ما المقصود بالقياس وطريقته عند سيبويه؟ .

إِنَّ القياس لغة «تقدير شيء على مثال شيء آخر وتسويته به»، واصطلاحا عند الأصوليين:

«حمل فرع على أصل في إثبات حكم لهما، أو نفيه عنهما بجامع بينهما هو العلة» (٣)، وعند الفقهاء: «إلحاق أصل بفرع في الحكم لاتحادهما في العلة» (٤)، وعند النُّحَاة: «حمل غير المنقول على المنقول إذا كان في معناه» (٥). فالمعنى اللغويّ والاصطلاحي قريبان من بعضهما، وعليه يمكن فهم القياس في عبارة الجرمي كما يلي: تجميع الأحاديث التي تدور حول موضوع واحد لتخصيص العام منها، وتوضيح المجمل، ثُمَّ استخلاص «علة الحكم» التي تطبق على كل حالة إفتاء مشابهة. وإذا طبقنا هذا على سيبويه يمكننا القول إِنَّهُ: يجمع الجمل ذات التراكيب المتشابهة بتوثيق وتثبت بسياقاتها التي تقال فيها) إذ لا كلام بدون سياق (، ثُمَّ استخلاص «تركيب ما» مستنبط من مجموع هذه الجمل المتشابهة، مع ذكر البدائل المختلفة لهذا التركيب. هذا التركيب المستخلص هو «العلة» التي يقاس إليها غيرها من الكلام) (٦).


(١) ياقوت الحموي: معجم الأدباء، ٤/ ١٤٤٣
(٢) أبو القاسم الزجاجي: مجالس العلماء، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط ٢، ) ١٩٨٣ م (، ص ١٩١
(٣) معجم مصطلحات أصول الفقه، مجمع اللُّغَة العَرَبِيَّة، القاهرة، ط ١، ) ٢٠٠٣ م (، ص ٨٥
(٤) د. محمد رواس قلعه جي ود. محد صادق قنيبي: معجم لغة الفقهاء، دار النفائس، ط ١، ) ١٩٨٥ م (، ص ٣٧٢
(٥) د. محمد إبراهيم عبادة: معجم مصطلحات النحو والصرف والعروض والقافية، مكتبة الآداب، القاهرة، ط ١) ٢٠١١ م (، ص ٢٥٦
(٦) ويمكننا أنْ نفهم عبارة الجرمي في كتاب سيبويه بشكل ثان هو: أَنَّ سيبويه قرَّر في كتابه كثيرا من ((القواعد النَّحْوِيَّة الأصولية)) التي هي على غرار ((القواعد الفقهية))؛ فنقل الجرمي هذه ((القواعد النَّحْوِيَّة الأصولية)) إلى مجال الفقه، وأخذ يطبِّقُها على أنَّها قواعد فقهية .. وما جعل الباحث يصل إلى هذا الفهم ويقول به وقوفه على قول الإمام الشافعي ــ رضي الله عنه ــ الذي نقله عنه ابن العماد الحنبلي في كتابه ((شذرات الذهب في أخبار من ذهب)) ٢/ ٤٠٧ إذ يقول: ((لا أُسأَل عن مسألة في الفقه إلا أجبت عنها من قواعد النحو؛ فقال له محمد بن الحسن: ما = تقول فيمن سها في سجود السهو، يسجد؟ فقال: لا؛ لأن المصغر لا يصغر)). فكما فعل الشافعي هنا من استغلال القاعدة النَّحْوِيَّة كقاعدة فقهية؛ فليس بمستبعد أنْ يكون الجرمي فعل مثله هناك.

<<  <   >  >>