للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لماذا عندما يذكر المُتَكَلِّم «أتيتك ضحوةً وعشيةً» يعلم المخاطب «أَنَّكَ تريد عشيّة يومك وضحوته»؟ ولماذا عندما يذكر المُتَكَلِّم «عامًا أول» يعلم المخاطب «أَنَّكَ تريد العام الذي يليه

عامك»؟ لماذا لا تدل الكلمات «ضحوةً وعشيةً» على العموم وخاصة أَنَّها نكرة؟

ما نعرفه من منهج سيبويه أَنَّهُ لا يفتات على اللُّغَة ولا يتقول عليها ولا ينسب إليها شيئا رآه هو، بل هو كما علمنا يتَتَبَّع التركيب المُعَيَّن في السِّياقات المختلفة ويحدد الدِّلَالَة المشتركة لهذا التركيب بين كل السِّياقات، وهذا ما فعله هنا. لقد تتبع سيبويه هذه الظروف في السِّياقات المختلفة فوجدها تدل هذه الدِّلَالَة، ووجد أَنَّ بين المُتَكَلِّم والمخاطب «عُرفا» يسيران عليه مع هذه الظروف؛ فأقرَّ هذا العرف هنا وقعَّده قاعدة نحوِيَّة، وقد أبطل هذا العرفُ «عمومية التنكير» هنا) (١).

إِنَّنَا إذا قلنا إِنَّ التنكير في «أتيتك ضحوةً وعشيةً ... » يفيد العموم وأنَّه يُقصَدُ به أَيَّة ضحوة أو عشية لوقع المخاطب في لبس؛ فأَيَّة ضحوة أو عشية يقصدها المُتَكَلِّم؟ ! وهنا يتدخل العرف والعادة ليحدد أَنَّ المقصود ضحوة المخاطب وعشيته.

٢ ــ تحَدَّثنا عن فكرة البناء بين المبتدأ والخبر في الجملة الاسمِيَّة، وهذه الفكرة موجودة أيضا في الجملة الفعلِيَّة، حيث يُبنَى الفاعل على الفعل. يقول: «فأما ضربت وقتلت ونحوهما، فَإِنَّ الأسماء بعدهما بمنزلة المبني على المبتدأ») (٢).

٣ ــ ضمير الفاعل العائد على ما يفهم من سياق الحال: قد يلعب سياق الحال دورا مهما مع الفاعل الضمير الذي ليس له عائد. وقد سبق أَنْ تكلمنا عن هذا الأمر فيما مضى عند حديثنا عن أهمِيَّة سياق الحال في التوجيهات الإعرابِيّة عند سيبويه.

***


(١) جاء في المعجم الوافي لأدوات النحو العربي عن الظرف ((ضحوة)) ص ١٩٣ ما نصه: ((ظرف زمان منصوب ممنوع من الصرف إن دل على وقت) ضحوة (معين معروف، ومنع من الصرف لأنَّه علم جنس وفيه تاء التأنيث ... فإن لم يُقصد يوم معين صرف ونوِّن، كقولك: لقيتُه ضحوةً)) ا. هـ، ويبدو من ظاهر هذا الكلام أنَّه متناقض مع كلام سيبويه في النص السابق. ويحل هذا التناقض هنا ما نقله صاحب النحو الوافي ٢/ ٢٦٠ عن الصبان وهو قوله: ((لزيادة الإيضاح نسوق ما قاله الصبَّان في هذا الموضع من الجزء الثاني آخر باب الظرف، قال: عن غدوة وبكرة ومثلهما: ضحوة ما نصه: ... فلا يلزم من استعمالهما في يوم معين أن يكونا علمين؛ لجواز أن يشار بهما إلى معين مع بقائهما على كونهما من أسماء الأجناس النكرات بحسب الوضع، كما تقول: رأيت رجلا وأنت تريد شخصًا معينًا، فيحمل على ما أردته من المعنى، ولا يكون علمًا. ا. هـ ـ، ما نقله الصبان))
(٢) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٣٨٧

<<  <   >  >>