للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا وجدت مفردة في تركيب ما محذوفا بعض عناصره فقد تملك بجوار معناها المعجمي معان أخرى منها المعنى النَّحْوِيّ.

ويبقى أيضا إثبات إشارة سيبويه أَنَّهُ إذا طال الكلام كان الحذف أجمل؛ كَأَنَّه شيء يصير بدلا من شيء) (١).

***

بقي من المادة التي جمعها الباحث وتتَعَلَّق بالجملة الفعلِيَّة وسياق الحال تلك الإشارات السريعة:

١ ــ الظرف وسياق الحال: يتمثل تأثير سياق الحال على الظرف في أَنَّ النُّحَاة قرروا أَنَّ من أسماء المكان التي تصلح للنصب على الظرفية «الأسماء المبهمة»، وقرروا أَنَّ «الأماكن المختصة التي لا تقع ألفاظها على كل مكان لا تستعمل ظروفا») (٢). لذلك فقد حكم سيبويه بالشذوذ على قول من قال: «ذهبت الشامَ» بنصب الشام؛ لأَنَّه اسم مختص لا يقع على كل مكان، يقول موضحا ومعللا: «وقد قال بعضهم ذهب الشامَ، يشبّهه بالمبهَم، إذ كان مكانًا يَقع عليه المكانُ والمذهبُ. وهذا شاذٌ؛ لأنَّهُ ليس في ذهبَ دليلٌ على الشام، وفيه دليلٌ على المذهبِ

والمكانِ») (٣).

إن سيبويه يعتبر إعراب الشام هنا ظرفا شذوذا؛ لأَنَّ كلمة «الشام» لفظ مختص غير مبهم

عنده؛ أي أَنَّ سيبويه يحتكم إلى عرف الناس واتفاقهم على أَنَّ الشام اسم مكان مُحَدَّد؛ لذلك حكم بشذوذ الإعراب هنا. وهذا يعنى أَنَّ الناس لو تعارفوا على أَنَّ الشام اسم مبهم لأجاز الإعراب هنا بلا شذوذ. وهذا يعني أيضا بالنسبة للباحث أَنَّ هناك تأثيرا لسياق الحال) متمثل في عرف الناس، وهو أمر خارج اللُّغَة (في إعراب الظرف هنا.

ومن النصوص التي نلاحظ أَنَّ سياق الحال) متمثلا في العرف والعادة أيضا (يتدخل فيها مع الظرف قول سيبويه: «فأما ضحوةٌ وعشيةٌ فلا يكونان إلاَّ نكرةً على كلّ حال، وهما كقولك: آتيك غدًا وصباحًا ومساءً. وقد تقول: أتيتك ضحوةً وعشيةً، فيُعلَمَ أَنَّكَ تريد عشيّةَ يومك وضحوته، كما تقول: عامًا أول؛ فيُعَلَم أَنَّكَ تريد العام الذي يليه عامك») (٤).


(١) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٣٨
(٢) السيرافي: شرح كتاب سيبويه، ١/ ٢٧١
(٣) سيبويه: الكتاب، ١/ ٣٥
(٤) سيبويه: الكتاب، ٣/ ٢٩٤

<<  <   >  >>