للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في هذا الكلام ينقل الشيخ محيي الدين ــ طيب الله ثراه ــ تفسيرين للنحاة، يفسرون به الجملة «يُكَمِّلُ متبوعه» التي وردت في التعريف أحد التفسيرين أَنَّ الجملة تعني «المفيد لما يطلبه المتبوع بحسب المقام»، وهذا التفسير شامل لكل المعاني التي يرد لها النعت من: التوضيح والتخصيص والمدح والذم والترحم والإبهام والتوكيد والتفصيل. وأنَّ الأشموني اختار هذا التفسير، وهو التفسير الأصح لعدم ورود ما يعترض به عليه كما قال الشيخ محيي الدين، خلافا للتفسير الثاني.

وهذا التفسير يربط في وضوح بين النعت وسياق الحال الذي يوجد فيها المُتَكَلِّم، فهو لا يلجأ إلى النعت إلا إذا أحسَّ من سياق الحال أَنَّهُ يريد أَنْ يؤكد أو يوضح أو يمدح أو يذم أو يترحم أو ...

فإذا طلب المقامُ إيضاحا للمتبوع أُتي بالنعت للإيضاح، وإذا طلب المقام مدحا أو ذما للمتبوع أُتي بالنعت للمدح أو الذم؛ أي أَنَّ المقام أو سياق الحال هو الذي يتحكَّم في النعت ووظيفته الدِّلالِيَّة في نهاية المطاف.

ويوضح سيبويه أَنَّ النعت يأتي في مرحلة تالية من الكلام، وأنه لا يبدأ به. يقول: «إِنَّمَا تبتدئ بالاسم ثُمَّ تصفه») (١). وهذا يعني أَنَّ المُتَكَلِّم لديه فرصة في تحديده وإيقاعه ملائما للموقف الذي يقال فيه.

ويوضح سيبويه في نصوص عدة وظيفة النعت والمعاني التي ترتبط بالسِّياق، منها:

أالتخصيص:

من وظائف النعت التي أشار إليها سيبويه التخصيص، يتضح هذا من خلال قوله: «فأمَّا النَّعت الذى جرى على المنعوت فقولك: مررتُ برجُلٍ ظَريفٍ قَبْلُ، فصار النعتُ مّجرورًا مثلَ المنعوت لأنّهما كالاسم الواحدِ. وإِنَّمَا صارا كالاسم الواحد من قِبَلِ أنَّك لم تُرِدِ الواحدَ من الرجال الَّذين كل واحدٍ منهم رجُلٌ، ولكنَّك أردت الواحدَ من الرجال الَّذين كلُّ واحد منهم رجُلٌ ظريفٌ، فهو نكرةٌ، وإنَّما كان نكرةً لأنَّهُ من أُمّةٍ كلُّها له مثلُ اسمه. وذلك أَنَّ الرجالَ كلُّ واحدٍ منهم رجلٌ، والرَّجالُ الظرفاءُ كلُّ واحد منهم رجلٌ ظريفٌ، فاسمُه يَخِلطه بأُمّته حتَّى لا يُعْرَفَ منها. فإِنْ أَطلتَ النعتَ فقلتَ: مررتُ برجل عاقِلٍ كَريمٍ مُسْلمٍ، فأَجْرِه على أوّله») (٢).

أي أَنَّ المُتَكَلِّم حينما أراد أَنْ يخصص ويحدد من يتحدَّث عنه استخدم النعت في هذا التحديد والتخصيص) (٣)، قال ابن يعيش: «وإنما قلنا: إنَّهما كالشيء الواحد من قبل أنَّ النعت يخرج


(١) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٢٨
(٢) سيبويه: الكتاب، ١/ ٤٢٢
(٣) قال التهانوي في التفريق بين التخصيص والتوضيح ما نصه ((التخصيص هو في اللُّغَة تمييز بعض الجملة بحكم ... وفي عرف النُّحَاة: تقليل الاشتراك الحاصل في النكرات، وتقليل الاشتراك الحاصل في المعارف عندهم لا = يسمّى توضيحا، بل التوضيح: عندهم رفع الاحتمال الحاصل في المعرفة وهذا هو المراد بالتخصيص والتوضيح في قولهم: الوصف قد يكون للتخصيص وقد يكون للتوضيح)). كشاف اصطلاحات الفنون، ١/ ٣٩٤

<<  <   >  >>