للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَنين، . .، وإن قلت رأيت امرأة قلت: مَنَهْ؟ ... ، وإن قال رأيت امرأتين قلت: مَنَتيْن كما قلت أيّتَين، إلا أَنَّ النون مجزومة. فإنْ قال: رأيت نساءَ قلت: مَناتْ») (١).

ونلاحظ هذا التفاعل بين المُتَكَلِّم المُخْبِر والمخاطب المستفهِم، وكيف أَنَّ رد المخاطب الراغب في معرفة مَنْ الأشخاص الذين أتوا إلى المُتَكَلِّم يتوافق مع إخبار المُتَكَلِّم معنًى من حيث النوع والتعريف والتنكير، وإعرابا:

- رأيت رجلين. . . . مَنَيْنِ؟

- أتاني رجلان. . . . مَنَان؟

- أتاني رجال. . . . مَنون؟

- رأيت رجالا. . . . مَنِين؟

- رأيت نساء. . . . مناتِ؟

ونلاحظ أَنَّ إجابة المخاطب المستفهم على المُتَكَلِّم المخبر هنا تدل على حالة التنبُّه والتركيز الشديدين اللذين يكونان من المخاطب؛ حتى يتوافق ردُّه إعرابا ونوعا مع كلام المُتَكَلِّم. ونلاحظ أيضا أَنَّ إجابة المخاطب بـ «مَن أو منين ... » مرتبطة بكون المستفهم عنه نكرة، أي غير مُحَدَّد وغير معروف لدى المخاطب، وهذا ما دفعه إلى الاستفهام. أَمَّا إذا كان المستفهم عنه معرفة فلا تجوز أَنْ تكونَ إجابة المخاطب: من ... ، يقول في باب «ما لا تحسن فيه من كما تحسن فيما

قبله»: «وذلك أَنَّهُ لا يجوز أَنْ يقول الرجل: رأيت عبدَ الله، فتقول: مَنَا؛ لأنَّهُ إذا ذكر) أي المُتَكَلِّم (عبد الله فَإِنَّما يذكر رجلا تعرفه بعينه أو رجلا أنت عنده ممن يعرفه بعينه فَإِنَّما تسأله) أي المخاطب (على أَنَّكَ ممن يعرفه بعينه، إلا أَنَّكَ لا تدرى الطويلُ هو أم القصير أم ابنُ زيد أم ابن عمرو؟ فكرهوا أَنْ يُجرى هذا مجرى النكرة إذا كانا مفترقين») (٢).

أي أَنَّ المُتَكَلِّم الذي يريد أَنْ يخبر المخاطب عن شخص لابد أَنْ يعرف مسبقا أَنَّ المخاطب يعلم شيئا عن المستفهم عنه، أو الشيء محل الإخبار، وإلا كان هذا لبسًا في الكلام. فإذا رد المخاطب بـ «من» فَإِنَّ هذا دليل على أَنَّهُ لم يستحضر صورة «عبد الله» أو لا يعرفه أصلا. وإذا تم استحضار صورة «عبد الله» في ذهن المخاطب اختفى الاستفهام من المخاطب ولم يعد له قيمة.


(١) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٤٠٨ ــ ٤٠٩
(٢) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٤١٢

<<  <   >  >>