للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويزيد السيرافي هذه النقطة وضوحا فيقول: «وكَأَنَّ السائل سأل على ما كان ينبغي للمتكلم أَنْ يكلمه به إذا لم يعرف ... فلما غلط المُتَكَلِّم في توهمه على المخاطب أَنَّهُ يعرفه رده المخاطب إلى الحق في حال نفسه أَنَّهُ غير عارف بمن ذكره وسأل عن ذلك») (١).

ويشير سيبويه أَنَّهُ إذا كان المسئول عنه من غير الإنس فالجواب «الهنُ والهنةُ، والفلانُ والفلانة؛ لأَنَّ ذلك كناية عن غير الآدميين») (٢)؛ وفي هذا دليل على أَنَّ اللُّغَة في بعض قواعدها تفرق بين ما هو للإنسان العاقل، وما هو للحيوان الأعجم.

ومن أشكال التفاعل التي يعكسها أسلوب الاستفهام التي تكون بين المُتَكَلِّم والمخاطب هذا التفاعل الذي يأخذ شكلا من أشكال «الإنكار»، ففي باب من أبوابه بعنوان: «باب ما تلحقه الزيادة في الاستفهام إذا أنكرتَ أَنْ تُثبت رأيَه على ما ذكر أو تنكر أَنْ يكون رأيه على خلاف ما ذكر» خصَّه بالحديث عما أسماه «إثبات العلامة للإنكار»، في مثل: «قول الرجل: ضربت زيدًا؛ فتقول منكرا لقوله: أزيدَنيه؟ ! ») (٣).


(١) شرح كتاب سيبويه: ٣/ ١٧٧
(٢) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٤١٥
(٣) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٤١٩، وجاء في كتاب ((شذا العرف في فن الصرف)) في باب ((الوقف)) ص ١٦٨ ما
نصه: ((الوقف هو قطع النطق عند آخر الكلمة. ويقابله الابتداء الذي هو عمل. فالوقوف استراحة عن ذلك العمل. ويتفرّع عن قصد الاستراحة فى الوقف ثلاثة مقاصد، فيكون لتمام الغرض من الكلام، ولتمام النظم فى الشعر, ولتمام السجع فى النثر. وهو إما اختيارىّ بالياء المثناة من تحت: أى قُصِدَ لذاته، أو اضطرارىّ عند قطع النَّفَس. أو اختبارىّ بالموحدة، أى قُصِد لاختبار شخص هل يحسن الوقف ... أو لا؟ والأول إما استثباتي وهو ما وقع فى الاستثبات، والسؤال المقصود به تعيين مبهم، نحو مَنُو، وأيُّون؟ لمن قال: جاءنى رجل أو قوم .. وإما إنكارىّ لزيادة مدة الإنكار فيه، وهو الواقع فى سؤال مقصود به إنكار خبر المخبر، أو كون الأمر على خلاف ما ذُكِر فيه، وحينئذ فإِن كانت الكلمة منونة كسر التنوين، وتعينت الياء مدة، نحو أزَيدُنِيه بضم الدال، وأزيدَنيه بفتحها وأزيدِنيه بكسرها، وكسر النون فى الجميع، لمن قال: جاء زيدٌ، أو رأيتُ زيدًا، أو مررت بزيد. وإن لم تكن منونة أتى بالمدّ من جنس حركة آخر الكلمة، نحو أعُمَرُوه وأعمرَاه، وأحَذَامِيه، لمن قال جاء عَمَرُ، ورأيتُ عُمَر، ومررت بحَذَام. وإما تذكُّريّ، وهو المقصود به تذكر باقى اللفظ، فيؤتى فى آخر الكلمة بمَدّة مجانسة لحركة آخرها، كقالا، ويقولُوا، وفى الدَّاري)). ومما هو جدير بالملاحظة أن أبا البقاء العُكْبَرِيّ البغدادِيّ في كتابه ((إعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث النبوي)) يوردُ حديثا ورد عن رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ وردت فيه العلامة ((نيه))، في سياق قصة الصحابي جُلَيْبِيْب وزواجه، ويفسرها كما يلي، قال: ((فِي حَدِيث أبي بَرزَة ــ نَضْلَة بن عبيد أَنه قَالَ فِي حَدِيث جليبيب: ((فَقَالَت أمُّهَا أجليبيب إنيه؟ جمَاعَة من الْمُحدثين يخلطون فِي هَذَا اللَّفْظ، وَالصَّوَاب فِيهِ وَجْهَان: أَحدهمَا: أجليبيب نيه؟ ! وَحَقِيقَته: أَنه تَنْوِين كسر وأشبعت كَسرته فَنَشَأَتْ مِنْهَا الْيَاء، ثمَّ زيدت الْهَاء ليَقَع الْوَقْف عَلَيْهَا. وَالثَّانِي: أجليبيب إنيه؛ ((فإنيه)) كلمة مُنْفَصِلَة مِمَّا قبلهَا))، المرجع تحقيق: د. عبد الحميد هنداوي، مؤسسة المختار للنشر والتوزيع، القاهرة، ط ١، ١٤٢٠ هـ، ١٩٩٩ م، ص ١٨٠

<<  <   >  >>