للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد قررنا عند الحديث عن الجملة الاسمِيَّة أنَّ المُتَكَلِّم لا بدَّ أَنْ يبدأ بـ «الأعرف» بينه وبين المخاطب لكي ينجح الاتصال بين المُتَكَلِّم والمخاطب ولكي ينمو الكلام ويتطور. أي لا بد أَنْ تكونَ هناك «نقطة لقاء معرفية» تجمع بين الطرفين لبدء الكلام، ولا بدَّ أَنَّ للسياق دورا في تحديد نقطة اللقاء المعرفيَّة هذه.

ومما يؤكده هذا النَّصّ أيضا أَنَّهُ لا يوجد كلام يُلْقَى في الفراغ بدون سياق وإلا كان عبثا.

ويدأب سيبويه في نصوص متعددة ومواضع مختلفة على تأكيد طِدَة العلاقة بين النداء والسِّياق، فهو يقرِّر أَنَّ أسلوب النداء «لا يجوز إلا لحاضر») (١)؛ أي: «لا ينادى إلا الحاضر») (٢).

ويرصد علاقة السِّياق بأحرف النداء نفسها. فهو يحدد ابتداء أحرف النداء بأنَّها: «يا، أيا، هيا، أي، الألف»، ويقسمها إلى قسمين: قسم يضم «يا، أيا، هيا، أي»، وحدد استعمالها في أنَّها تستعمل إذا أراد المُتَكَلِّمون «أَنْ يمدوا أصواتهم للشيء المتراخى عنهم، والإنسان المعرض عنهم، الذي يَرَون أَنَّهُ لا يُقبل عليهم إلا بالاجتهاد، أو النائم المستثقَل. وقد يستعملون هذه التي للمد في موضع الألف ولا يستعملون الألف في هذه المواضع التي يمدون فيها. وقد يجوز لك أَنْ تستعمل هذه الخمسة ... إذا كان صاحبك قريبا منك، مقبِلاً عليك، توكيدًا. وإن شئت حذفتهن كلهن استغناء ... ، وذلك أَنَّهُ جعلهم بمنزلة مَن هو مقبِلٌ عليه بحضرته يخاطبه») (٣).

يحدد سيبويه في هذا النَّصّ استخدام أدوات النداء «يا، أيا، هيا، أي» في الحالات التالية:

• الشيء المتراخي البعيد عن المنادِي.

• الإنسان المعرض عن المنادِي الذي يرى أَنَّهُ لا يقبل عليه إلا باجتهاد.

• النائم المستثَقل.

وهذه كلها أغراض مرتبطة بسياق الحال كما هو واضح، وخاصة الغرض الثاني، فالمُتَكَلِّم المنادِي سيستخدم هذه الأدوات إذا علم مسبقا ومن خلال سياق فائت أَنَّ المخاطب المنادَى معرضا عنه لسبب ما، وأنه يحتاج إلى كثير من الاجتهاد لكي يُقبل على المُتَكَلِّم ويسمع منه؛ أي أَنَّ استخدام هذه الأدوات قد يعكس جانبا نفسِيّا مما عليه المخاطب المنادَى.

وبالطبع فَإِنَّ أداة النداء «أ» تستخدم في عكس ما سبق؛ أي: تستخدم في: القريب من المُتَكَلِّم، المقبل عليه، النشيط المستيقظ.


(١) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٢٣٦
(٢) الحاشية ذات الرَّقْم ٦ من تحقيق أ / هارون، ٢/ ٢٣٦
(٣) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٢٣٠

<<  <   >  >>