للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويجوز كما أشار سيبويه استخدام القسم الأول مكان أداة النداء «أ» وذلك لغرض بلاغي هو «التأكيد». وقد علمنا مسبقا مدى ارتباط التوكيد بالسِّياق) (١).

ونسجل هنا ملحوظة بسيطة تشير إلى أَنَّ بعض العلماء خرجوا على تقسيم سيبويه الثنائي لأدوات النداء) قريب وبعيد (، وقالوا بتقسيم رباعي، فقالوا:

• أيا، هيا: للبعيد.

• الهمزة، للقريب.

• أي، للمتوسط.

• يا، للجميع) (٢).

ونعتقد أَنَّ هذه التقسيمات سواء أكانت ثنائية أم ثلاثِيَّة أم رباعِيَّة تخضع في المقام الأول والأخير لسياق الحال الذي يقال فيه الأسلوب، فهو الفيصل الأخير في هذه المسألة.

وترتبط أداة النداء «يا» بنمط مُعَيَّن من السِّياقات، هي السِّياقات الاستغاثية والتعجبية، فهي لازمة لهذا النمط لا تفارقه على حد تعبير سيبويه الذي يقول: «وأما المستغاث به فيا لازمة له؛ لأنَّهُ يجتهد. فكذلك المتعجَّب منه، وذلك: يا لَلناس ويا لَلماء. وإِنَّمَا اجتهد لأَنَّ المستغاث عندهم متراخ أو غافل والتعجب كذلك») (٣).

وهذا الربط لأداة النداء «يا» من أدوات النداء بـ «أسلوب الاستغاثة أو التعجب» لا بد أَنْ يكون بعد تقصي سيبويه للنصوص في السِّياقات الحَيَّة المنطوقة.

ويظهر سؤال منطقي هنا هو: لماذا تختص «يا» من بين أدوات النداء بـ «أسلوب الاستغاثة أو التعجب»؟

قد يكون السبب في هذا أَنَّ الأداة «يا» هي الأنسب «صوتيا» للاستغاثة أو التعجب؛ حيث تنتهي هذه الأداة بألف المد التي تسمح بإطلاق الدفقة الصَّوْتِيَّة العفوية التلقائية غير الإرادية التي لا تحتاج إلى مراجعة ذهنية الناتجة عن التعجب أو الاستغاثة دفعة واحدة وبمقطع واحد طويل مفتوح) صامت + حركة طويلة (، وهو ما لا تسمح به الأداة «أَيْ» التي لا تنتهي بحرف مد يسمح

بـ «تنفيس» دفقة التعجب أو الاستغاثة، ولا الأداة «أَ» التي لا تسمح باكتمال هذه الدفقة الاستغاثية


(١) وقال ابن مالك في شرح التسهيل ٣/ ٣٨٦ ((وكون الهمزة للقريب، وما سواها للبعيد هو الصحيح؛ لأنَّ سيويه أخبر بذلك رواية عن العرب)).
(٢) نقل هذا التقسيم الشيخ خالد الأزهر في ((التصريح بمضمون التوضيح)) عن ابن بَرْهَان. ينظر الكتاب بتحقيق د. عبد الفتاح بحيري إبراهيم، ط ١، ) ١٩٩٧ م (، ٤/ ٨
(٣) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٢٣١

<<  <   >  >>