للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الحروف التي خصصتها اللُّغَة للندبة «وا»، وهو حرف لا يندب به «إلا المعرفة، أو المضاف إلى معرفة، أو الموصول المشهور بصلته الخالي من ((أل))») (١). وهذا يتسق مع كون الندبة لا تكون إلا معرفة مخصصة بالنسبة للنادب.

ومما يقرره النُّحَاة عن هذا الحرف أَنَّهُ لا يصح حذفه) (٢)؛ لأنَّهُ أصبح كالعلم على معنى الندبة أو الاستغاثة) (٣)؛ أي أَنَّ هذا الحرف «وا» مرتبط في ذهن متكلم اللُّغَة بهذا المعنى، معنى الاستغاثة والندبة، فبمجرد ذكره يستصحب ويُستحضَر هذا المعنى. ونلاحظ مدى المناسبة الصَّوْتِيَّة بين هذه الأداة التي تنتهي بألف المد وبين حالة الندب أو الاستغاثة.

وللمندوب استعمالات ثلاثة: «أَنْ يعامل معاملة المنادى ... ، أَنْ تزاد ألف على آخر المندوب تسمى ألف الندبة ... ، أَنْ تزاد هاء السكت بعد ألف الندبة عند الوقف، نحو: واخالداه، واصلاح الدنياه، وامن فتح الأندلساه») (٤). وقد تزاد أيضا بعد الاسم المندوب بالإضافة للألف الواوُ والياء، مثل: «وواغلامَهُوه، ووا ذهاب غلامهيه») (٥).

ومن الواضح إِنَّ الزيادات التي تزاد على آخر المندوب مرتبطة بإرادة المُتَكَلِّم الموجود حتما في سياق ما. وهذا ما يبرزه سيبويه في قوله: ((وقد يلحقون في الوقف هذه الهاء الألف التي في النداء؛ والألف والياء والواو في الندبة؛ لأنَّهُ موضع تصويت وتبيين، فأرادوا أَنْ يمدوا فألزموها الهاء في الوقف لذلك، وتركوها في الوصل؛ لأنَّهُ يستغنى عنها كما يستغنى عنها في المتَحَرُّك في الوصل لأنَّهُ يجيء ما يقوم مقامها. وذلك قولك: يا غلامان، ووازيداه، وواغلامهوه، وواذهاب غلامهيه») (٦).

إن زيادة الواو والياء مع الاسم المندوب مرتبطة برغبة المُتَكَلِّم في «التصويت والتبيين»؛ فقام لذلك بـ «مد الصوت». ولا شك أَنَّ النادب لا يريد أَنْ يصوت أو يبين إلا للتنفيس عن حالته النفسِيَّة الواقعة تحت ألم الموقف أو الحال.

***


(١) د. علي توفيق الحمد: معجم أدوات النحو العربي، ص ٣٦١، ويشير المؤلف أن الحرف ((وا)) قد يفيد الاستغاثة والندبة في آن واحد، يعرف ذلك من السِّياق والقرائن، كما تقول المرأة العَرَبِيَّة: وامعتصماه.
(٢) السابق، ص ٣٦١
(٣) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٤٢٠
(٤) د. علي توفيق الحمد: معجم أدوات النحو العربي، ص ٣٦١
(٥) سيبويه: الكتاب، ٤/ ١٦٦
(٦) سيبويه: الكتاب، ٤/ ١٦٥ ــ ١٦٦

<<  <   >  >>