للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويوجِّهُ قراءة الكسر في قوله تعالى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} على الحكاية، يقول:

«كان عيسى يقرأ هذا الحرف: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}؛ أراد أَنْ يحكي» (١).

ومن نصوص سيبويه التي خصصها للحديث عن «إِنَّ» ــ بكسر الهمزة ــ قوله: «وإِنَّ توكيدٌ لقوله: زيدٌ منطلقٌ. وإذا خفَّفْتَ فهي كذلك تؤكِّد ما يتكلم به ولَيثبت الكلام، غير أَنَّ لام التوكيد تلزمها عوضًا مما ذهب منها») (٢).

ويستوقفنا عند تحليل هذا النَّصّ قوله: «وإِنَّ توكيدٌ لقوله: زيدٌ منطلقٌ»؛ فماذا يقصد بهذه العبارة؟

إن الهاء في كلمة «لقوله» في هذه العبارة ضمير يعود على المُتَكَلِّم المفترض، والجملة الاسمِيَّة: «زيدٌ منطلقٌ» تعني أَنَّ «زيدًا» معروف بين المُتَكَلِّم والمخاطب، وأنَّ «الانطلاق» معروف لدى المُتَكَلِّم فقط مجهول لدى المخاطب، وأنَّ المُتَكَلِّم يريد أَنْ ينقل معرفته بهذا الانطلاق للمخاطب. ولا معنى لجملة سيبويه: «وإِنَّ توكيدٌ لقوله: زيدٌ منطلقٌ» هنا إلا أَنَّ المخاطب شك في نسبة الانطلاق إلى زيد؛ فأتى المُتَكَلِّم بـ «إِنَّ» لتأكيد هذه النسبة.

وإحساس المُتَكَلِّم بهذا الشك من قبل المخاطب لا بدَّ أَنْ يتولد من خلال ملابسات سياق مُعَيَّن فليست كل جملة اسمية يقولها المُتَكَلِّم محل شك من المخاطب.

ومجئ «إِنَّ» لتأكيد نسبة الخبر إلى المبتدأ حقيقة أقرها النُّحَاة من بعد سيبويه؛ فقالوا عن التوكيد الذي تفيده «إِنَّ، أَنَّ»: «المراد: توكيد النسبة؛ أي: توكيد نسبة الخبر للمبتدأ، وإزالة الشك عنها أو الإنكار، فكلا الحرفين في تحقيق هذا الغرض بمنزلة تكرار الجملة، ويفيد ما يفيده التكرار؛ ففي مثل: إِنَّ المال عماد العمران؛ تغني كلمة «إِنَّ» عن تكرار جملة: المال عماد العمران») (٣).

ومن الملحوظات القيمة للأستاذ عباس حسن على «إِنَّ، أَنَّ» قوله: «ومن الخطأ البلاغي استخدامهما إلا حيث يكون الخبر موضع الشك أو الإنكار. والتأكيد بهما يدلُّ على أَنَّ خبرهما محقق عند المُتَكَلِّم، وليس موضع شك. ولا يستعملان إلا في تأكيد الإثبات») (٤).


(١) سيبويه: الكتاب، ٣/ ١٤٣
(٢) سيبويه: الكتاب، ٤/ ٢٣٣
(٣) عباس حسن: النحو الوافي، ١/ ٦٣١ الحاشية ذات الرَّقْم ٣
(٤) النحو الوافي، ١/ ٦٣١ الحاشية ذات الرَّقْم ٣

<<  <   >  >>