للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

انطلاقك، فكَأَنَّك قلت: علمت الحديث، ويقول القائل: ما الخبر؟ فيقول المجيب: الخبر أَنَّ الأمير قادم») (١).

إن تفسير ابن السرّاج لفتح همزة «أَنَّ» يربطها بالسِّياق ربطا، فجملة «علمت أَنَّكَ منطلق» يسبقها سياق ومقام، فالمُتَكَلِّم علم أَنَّ المخاطب من خلال قصة أو حديث وقع أمامه أَنَّهُ منطلق؛ فأتى بالجملة على هذا الوجه. فبفتح همزتها يُعْلَم أنَّها تعبر عن شأن وقصة وحديث سابق، أي أنَّها تأتي بعد مرحلة تالية من الكلام، ولا تأتي في بدايته.

ألا ما أجمل إشارة سيبويه عن «أَنَّ» من حيث إنَّها تجعل الكلام شأنا؛ أي شأنا وقصة وحديثا سابقا على ذكرها. إنَّها إشارة عميقة تدلُّ على ربطه الأداة بالسِّياق، وتدُلُّ على اعتباره للسياق عند التَّقْعِيد، كما تدلُّ على دقة الملاحظة، ولم نقف على هذه الفائدة السِّياقِيَّة القيمة

لـ «أَنَّ» إلا في كتاب سيبويه.

ومن مواضع كسر همزة إِنَّ أَنْ تقع بعد «القول مباشرة، وتكون مع معموليها محكية بالقول، نحو قوله تعالى {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ}؛ فإنْ لم تُحكَ بالقول وأجري القول مُجرى الظن؛ فتحت الهمزة، نحو: أتقول أَنَّ العدل معدوم، أي: أتظن») (٢).

والذي يحدِّد هل القول للحكاية أم يفيد الظن السِّياقُ، فإليه المرجع في هذا التحديد؛ وهذا يعني أَنَّ السِّياق المعتبر يتحكم في كسر همزة إِنَّ أو فتحها. يقول سيبويه: «وسألت يُونُس عن

قوله: متى تقول أَنَّهُ منطلقٌ؟ فقال: إذا لم ترد الحكاية وجعلت تقول مثل تظنُّ») (٣).

وهنا نؤكد على أَنَّ كسر همزة إِنَّ أو فتحها له دلالة؛ فعندما نقول: «أتقول أَنَّ العدل

معدوم» ــ بفتح همزة إِنَّ ــ فالمُتَكَلِّم قد يكون في حالة ظن أو قد لا يكون، وإن قلت: «أتقول إِنَّ العدل معدوم»؛ فالمُتَكَلِّم يحكي وينقل ما سمعه عن غيره كما هو؛ فالفعل «قال» في هذه الحال ــ كما يقول سيبويه ــ «لا يغّيَّر الكلام عن حاله قبل أَنْ تكونَ فيه قال») (٤).


(١) الأصول في النحو، ت: عبد الحسين الفتلي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ) بدون تاريخ للطبعة (، ١/ ٢٦٥ وينظر أيضا: عبد القادر بن عمر البغدادِيّ: خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، ت: عبد السلام محمد هارون مكتبة الخانجي، القاهرة، ط ٤، ) ١٩٩٧ م (، ١٠/ ٣٠٤
(٢) د. على توفيق الحمد: المعجم الوافي في أدوات النحو العربي، ص ٨٤ ــ ٨٥٤
(٣) سيبويه: الكتاب، ٣/ ١٤٢
(٤) سيبويه: الكتاب، ٣/ ١٤٣

<<  <   >  >>