للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• الملحوظة الثانية: قال بعض النُّحَاة إِنَّ التوكيد) الثانوي (الذي تأتي به أحرف الزيادة يأتي «لتوكيد معنى موجود ... [و] لإفادة توكيد المعنى القائم») (١). وهذا الكلام يجده الباحث غامضا قليلا بناء على ما يفهمه من كلام سيبويه، فهو يقول مثلا مع الأداة «مِن»:

«ويحه من رجل؛ إِنَّمَا أراد أَنْ يجعل التعجب من بعض الرجال»، أي أَنَّ «مِن الزائدة» أفادت في هذه الجملة «التبعيض»، ولا يفهم هذا التبعض من الجملة بدون «مِن»، بل يفهم من الجملة

«ويحه رجلا» أَنَّ المُتَكَلِّم يتعجب من سلوك شخص ما بناء على ملابسات سِيَاقِيَّة ما دفعته لهذا التعجب، وهذا ما قاله سيبويه نفسه عن الأداة «ويح» إذ يقول: «إذا قلت ويحه فقد تعجبت وأبهمتَ») (٢). ولا يفهم من جملة: «ما أتاني أحد» إلا معنى العموم؛ لأَنَّ «أحد» كلمة نكرة في سياق نفي، والنكرة في سياق النفي تفيد العموم حسبما تقرر القاعدة الأصولية، ولم يُحصَّل من الجملة معنى التبعيض.

ما أرمي إليه هنا أَنَّ معنى التبعيض لم يكن قائما في الجملة ثُمَّ أتت «مِن» لتأكيده، بل إِنَّ المعنى القائم أصلا هو التعجب في الجملة الأولى والعموم في الثانية.

• الملحوظة الثالثة: استخدم سيبويه كلمة «لغو» في وصف بعض الحروف الزائدة، فقال عن

«لا الزائدة»: «وأما لا فتكون كما في التوكيد واللغو، قال الله عز وجل {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ}»، والجمع بين كلمتي «التوكيد واللغو» بحرف العطف «الواو» في وصف الأداة «لا الزائدة» يدل على أنهما متغايران، وأنَّ «التوكيد + اللغو» يحدادن كون الكلمة زائدة، وحسب التعريف الذي اقترحناه فَإِنَّ «التوكيد» المقصود هو التوكيد الثانوي، ولا بد أَنْ تكون كلمة «اللغو» تعني «الاستقامة الحسنة للجملة بعد حذف الكلمة التي جيء بها لإضافة هذا التوكيد الثانوي». أي أَنَّ كلمة «اللغو» لا تعني عند سيبويه «الكلام العبثي» الخالي من الصحة النحوِيَّة والدِّلالِيَّة، بل تعني الكلام الصحيح نحويا ودِلالِيًّا حتى بعد الاستغناء عن عنصر منه. ويؤكد هذا اسشهاده بالآية القُرْآنِيَّة {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ}.

وعندما وصف سيبويه «ما الزائدة» قال: «وتكون توكيدًا لغوا»؛ أي تكون ما الزائدة توكيدًا وتكون لغوا؛ أي: يصح الاستغناء عنها وتبقى الجملة مستقيمة حسنة؛ أي صحيحة نحويا ودِلالِيًّا؛ أي أَنَّ اللغو مرادف لما قاله سيبويه في موضع آخر من كتابه عن الكلام «المستقيم الحسن».

***


(١) عباس حسن: النحو الوافي، الحاشية ذات الرَّقْم ١، ١/ ٦٦
(٢) سيبويه: الكتاب، ٢/ ١٧٤

<<  <   >  >>