للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والشاعر الذي ينشد بيتا في موقف لابدّ أَنَّهُ يقوله على وجه واحد؛ وهذا يعنى أَنَّ المفسِّر أو الشارح كان في مكنته أَنْ يعرف الضبط الصحيح للكلمة إذا وقف على السِّياق الذي قيل فيه النَّصّ.

وعندما نقرأ العَلَم «ثمود» بدون صرف في قوله تعالى: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا} [الإسراء: ٥٩]؛ فَإِنَّ الذهن ينصرف إلى معنى القبيلة. وعندما نقرأ قوله: {أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ} [هود: ٦٨]، وقوله: {وَعَادًا وَثَمُودَ} [العنكبوت: ٣٨] بالتنوين فَإِنَّ الذهن يتَّجه إلى معنى الحي) (١).

ولكي نفهم الفرق الدلالي بين كلمة «القبيلة» و «الحي» يجب أنْ نقف على المعنى اللغوي

لكلٍ. يقول الكَفَويُّ: «الشَّعْب: كل جماعة كثيرة من الناس يرجعون إلى أب مشهور، بأمر زائد فهو شَعْب كعدنان، ودونه القبيلة، وهي ما انقسمت فيها أنساب الشعب، كربيعة ومضر، ثم العمارة: وهي ما انقسمت فيها أنساب القبيلة كقريش وكنانة، ثم البطن: وهي ما انقسمت فيها أنساب العمارة كبني عبد مناف، وبني مخزوم، ثم الفخذ: وهي ما انقسمت فيها أنساب البطن كبني هاشم وبني أمية، ثم العشيرة: وهي ما انقسمت فيها أنساب الفخذ كبني العباس وبني أبي طالب، والحَيُّ يصدق على الكل، لأنَّه للجماعة المتنازلين بمَرْبَع منهم، وكلما تباعدت الأنساب ارتفعت المراتب») (٢).

إذن كلمة «الحي» عامة، وكلمة «القبيلة» أخص منها؛ فإذا صُرِفَت كلمة «سدوس» أو كلمة

«ثمود» انصرفت دلالة الكلمتين إلى المعنى العام، وإذا مُنِعَتا من الصرف انصرفت دلالة الكلمتين إلى المعنى الخاص. وهذا يعني أن للتنوين وظيفة دلالية، وأنَّنا يمكن أنْ نميِّز به بين النكرة والمعرفة. يقول د. فاضل السامرائي عن الفوائد التي يمكن أن يقدمها التنوين:

«أنَّه يميز بين المعرفة والنكرة، فإنَّه إذا لحق علما حقه ألا ينون أفاد أنَّه نكرة، نحو: «رأيت إسماعيلا»؛ والمعنى: رأيت شخصًا ما اسمه إسماعيل، بخلاف قولك: «رأيت إسماعيل»، فإنَّه يعني شخصا معلومًا») (٣).

مما سبق يفهم أَنَّ التنوين قد يرتبط بالدِّلَالَة مع بعض الأعلام، وهذه الدِّلَالَة يحددها سياق الحال.


(١) سيبويه: الكتاب، ٣/ ٢٥٢ ــ ٢٥٣
(٢) الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، ت: عدنان درويش، محمد المصري، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط ٢، ) ١٩٩٨ م (، ص ٥٢٤
(٣) معاني النحو: ٣/ ٣٠٤، ومن الفوائد التي عدَّها أيضا الدكتور السامرائي للتنوين أنّه: ((يبين لنا أصل الكلمة، يبين لنا المقصود بالاسم: أهو معناه الوضعي أم يراد به العلمية، يميز بين الوصف وغيره، يدلنا على هوية الكلمة يبين لنا الكلمة أمؤنثة هي أم مذكرة، النص على معنى معين، يميز بين المعاني المختلفة في المادة اللغوية)).

<<  <   >  >>