للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويؤكد ارتباط التنوين بدلالة ما حديث سيبويه عن الظرف «غُدْوة، وبكرة». يقول: «وزعم يُونُس عن أبي عمرو، وهو قوله أيضًا وهو القياس، أنَّكَ إذا قلت: لقيته العام الأول، أو يومًا من الأيام، ثم قلت: غدوة أو بكرة وأنت تريد المعرفة لم تنون») (١).

ولكي نفهم مقصود سيبويه في النَّصّ السابق نُنَبِّه إلى أَنَّ صفة ((العلميَّة)) أو ((الأعلام)) أكثر وقوعها في كلام العرب على «الأعيان دون المعاني، الأعيان هي الأشخاص، نحو: زيد وجعفر ... وكما جاءت الأعلام في الأعيان، فكذلك أيضًا قد جاءت في المعاني») (٢). وإِنَّمَا كثر تعلق الأعلام بالأعيان دون المعاني؛ لأَنَّ «الغرض منها التعريفُ، والأعيانُ أقعدُ في التعريف من المعاني؛ وذلك لأَنَّ العِيان يتناولها لظهورها له، وليس كذلك المعاني؛ لأَنَّها تثبت بالنظر والاستدلال، وفرقٌ ما بين علم الضرورة بالمشاهدة وبين علم الاستدلال بيّنٌ») (٣).

ومن المعاني التي تتَعَلَّق بها العلميَّة «غُدْوة، وبكرة، وسحر»؛ فهي «عَلَمٌ للوقت») (٤). وعندما تذكر هذه الظرف كأعلام تمنع من الصرف، ويقصد بها وقت مُحَدَّد من يوم بعينه، يقول ابن يعيش: «من الأسماء المعلَّقة على المعاني: غُدْوَةُ، وبُكْرَةُ، وسَحَرُ، إذا أردت ذلك من يوم بعينه، فهي معارفُ، فغدوةُ وبكرةُ لا ينصرفان للتعريف والتأنيث، كأنّهما جُعلا عَلَمًا على هذا المعنى. وهو من قبيل التعريف اللفظيّ، ... وأمّا سَحَرُ فمعرفةٌ إذا أردت سحرَ يوم بعينه، لا ينصرف للتعريف والعدلِ عن الألف واللام؛ فإنْ أردت التنكير، صرفته») (٥).

وهذا ما يقصده سيبويه من قوله: «غدوة أو بكرة وأنت تريد المعرفة لم تنون». وإذا لم يرد المُتَكَلِّم تحديد وقت بعينه نون هذه الظروف. وهذا يعني أَنَّ التنوين يرتبط بإرادة المُتَكَلِّم المرتبطة بدورها بسياق.

وقد يستخدم التنوين كـ «منبِّه» لتنبيه المخاطب على أَنَّ العلم لا يجري على طبيعته، وأنَّ هناك شيئا ليس طبيعِيًّا في هذا العلم ينبغي الالتفات إليه. يقول سيبويه: «وسألت الخليل فقلت:


(١) سيبويه: الكتاب، ٣/ ٢٩٣
(٢) ابن جني: الخصائص، ٢/ ٢٠٠
(٣) ابن يعيش: شرح المُفَصّل، ١/ ١١٩
(٤) ابن جني: الخصائص، ٢/ ٢٠٠
(٥) شرح المُفَصّل، ١/ ١٢٣، ويذكر سيبويه أيضا: ((فأما ضحوةٌ وعشيةٌ فلا يكونان إلاَّ نكرةً على كلّ حال، وهما كقولك: آتيك غذًا وصباحًا ومساءً. وقد تقول: أتيتك ضحوةً وعشيةً، فيعلم أنكَّ تريد عشيّة يومك وضحوته، كما تقول: عامًا أول فيعلم أنك تريد العام الذي يليه عامك))، ٣/ ٢٩٤

<<  <   >  >>