للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد أخرج دي سوسير الكلام من النظر والبحث في إطار علم اللُّغَة و «انصرفت جهوده كلها إلى اللُّغَة تاركا الكلام لقوم آخرين هم علماء النفس» (١). وباستمرار الدراسة بما وضعه من منهج أصبحت اللُّغَة عنده «هيكلا أو بناء أو جهازا منعزلا عن كل ما يحيط به من ظروف وملابسات خارِجِيَّة» (٢)، أي أَنَّنا نستطيع أَنْ نُقَرِّر أَنَّهُ لم يكن لدى سوسير نصيب في الدرس اللغويّ الاجتماعِيّ

وبعد سوسير أتى نعوم تشومسكي Noam Chomsky (٣)،

وأظهر لنا ما سمَّاهُ بـ «البنية العميقة Deep Structure» و «البنية السطحيَّة Surface Structure»، ويقصد بهذا «أَنَّ اللُّغَة عنده جانبان: أحدهما ما سمَّاه الكفاية أو القدرة، وثانيهما: أطلق عليه الأداء، وهو في هذا التفريق يقترب مما عناه دي سوسير بالتفريق بين اللُّغَة والكلام ولكن مع فارق دقيق» (٤).

وأهم المعالم أو المبادئ التي تميز اتجاه تشومسكي في نظريته اللُّغَوِيَّة هو قيامها على

«إنسان متكلم ــ مستمع مثالي، تابع لبيئة لغَوِيَّة متجانسة تماما، ويعرف لغته جَيِّدا» (٥).


(١) السابق، ص ٥٧
(٢) السابق، ص ٥٧
(٣) ولد في فلاديفيا، في ٧ ديسمبر ١٩٢٨ م، أحد أبرز اللغويّين الذين طوروا ما يعرف بالنحو التوليدي، وهو أيضا مراقب سياسي وناقد اجتماعي، من أهم مؤلفاته اللُّغَوِيَّة: اللُّغَة والعقل Language and Mind (١٩٧٢)، البنية المنطقيَّة للنظريَّة اللُّغَوِيَّة The logical Structure of linguistic Theory (١٩٧٥) . يُنْظَر:

Lexicon Universal Encyclopedia,Vol.٤ P.٤٠٤
(٤) د. كمال بشر: التفكير اللغويّ بين القديم والجديد، دار غريب، القاهرة، ) ٢٠٠٥ م (، ص ١٥٧ ــ ١٥٨ ومما يسترعي الانتباه والنظر وجدير بالملاحظة أن ثنائية ((اللُّغَة/الكلام)) أخذت أسماء عدة عند عدد من العلماء مختلفي المشارب وإن كان المضمون واحدا تقريبا؛ فأخذت اسم ((اللُّغَة/الكلام)) عند سوسير وجيوم، و ((نظام الكلام/النص)) في اصطلاح هيلمسلف، و ((القدرة الكلامِيَّة / الأداء الفعلي)) في اصطلاح تشومسكي، و ((مفتاح الكلام code/ والرسالة الفعلِيَّة message)) في اصطلاح رومان ياكوبسن. يُنْظَر: مجدي وهبة ــ كامل المهندس: معجم المصطلحات العَرَبِيَّة في الأدب واللُّغَة، مكتبة لبنان، بيروت، ط ٢، ) ١٩٨٤ م (، ص ٩٦ ــ ٩٧
(٥) السابق: ص ١٥٧، ومن اللغويّين أصحاب البصمة الواضحة في مجال علم اللُّغَة العالم بلومفيلد، وهو يعرف المعنى ((بأنَّه عبارة عن الموقف الذي يُنْطَق فيه الحدث اللغويّ المعين، والاستجابة أو رد الفعل الذي يستدعيه هذا الحدث في نفس السامع))، أي أَنَّ بلومفيلد يربط المعنى اللغويّ بالموقف. ويرد أستاذنا كمال بشر على هذا قائلا:
((هذا رأي مقبول، ولكن ليس من المقبول أن ننظر إلى هذا المعنى كما لو كان مجموعة من المثيرات والاستجابات الآلية؛ إذ لا يمكن تجريد الكلام من العوامل الإنسانيَّة، كالدوافع والرغبات التي ينبئ عنها)). [يُنْظَر: ستيفن أولمان: دور الكلمة في اللُّغَة، ص ٦٧]، وفي مكان ثانٍ ينقد د. كمال بشر بلومفيلد فيقول: ((إِنَّهُم على الرغم من كل ذلك اتبعوا المنهج السلوكي في علم النفس في التحليل اللغويّ، ولم يعطوا التنوعات اللُّغَوِيَّة الحادثة من الأفراد اهتماما يذكر، ولم يحاولوا بالطبع الكشف عن علاقة هذه التنوعات بالمجتمع مع اختلاف بيئاته وفئات أو طبقات أفراده أو جماعاته)). [يُنْظَر علم اللُّغَة الاجتماعِيّ، ص ٥٢]

<<  <   >  >>