للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثُمَّ ظهرت المدرسة الاجتِماعِيَّة في دراسة اللُّغَة، التي تبحث في اللُّغَة من منظور اجتماعي، بريادة العالم اللغويّ فيرث Firth (١) الذي رأى أَنَّ موضوع علم اللُّغَة هو «اللُّغَة في موقف كلامي فِعْلِي لأَنَّ استخدام اللُّغَة ما هو إلا شكل من أشكال الحياة الإنسانيَّة» (٢)، و «أَنَّ دراسة الكلام دون الرجوع إلى المجتمع الذي يتحدَّث به هو استبعاد لاحتمالات وجود تفسيرات اجتماعيَّة للأبنية والصيغ المستخدمة في الكلام» (٣).

وأنكرت هذه المدرسة «ثنائية» دي سوسير وتشومسكي، ورأت «أَنَّ الحديث اللغويّ) كلمة أو عبارة أو جملة (وحدة متكاملة لا انفصام لجانبيها؛ ومن ثَمَّ وجب تحليلها على هذا الأساس» (٤)، ولم يخطر «ببال الاجتماعِيّين اللغويّين هذه الثُّنائِيَّة بوجهيها نظرا وتطبيقا» و «لم يفرقوا بين اللُّغَة والكلام» (٥). وهذا المبدأ نابع من أَنَّ التفرقة بين اللُّغَة والكلام عندهم «ليس له ما يبرِّره من حيث المنطق والواقع؛ إذ هما جانبان لشيء واحد، أو هما مصطلحان يطلقان على مسمّى واحد، وكل منهما اجتماعي وفردي، كل منهما عقلي ومادي، وهما متداخلان إلى درجة يصعب التفريق بينهما فكلام الفرد ليس إلا أسلوبا أو مثلا من كلام الجماعة، وكلام الجماعة ليس إلا حصيلة كلام الأفراد» (٦).

والباحث يميل بعض الميل إلى المدرسة الاجتِماعِيَّة في إنكار هذه الثُّنائِيَّة، ويأخذ بمنهجها في دراسة اللُّغَة.


(١) John Rupert Firth أحد كبار علماء اللغويّات، ١٨٩٠ م ــ ١٩٦٠ م، مؤسس مدرسة لندن. له تأثيره الواسع على فلاسفة التحليل اللغويّ البريطانيين والأمريكيين المعاصرين، اعتمد في تطوير نظريته اللُّغَوِيَّة على ما قاله مالينوفسكي عن سياق الموقف. يُنْظَر: سامي خشبة: مفكرون من عصرنا، الهيئة المصريَّة العامة للكتاب ــ مكتبة الأسرة، القاهرة، ) ٢٠٠٨ م (، ص ٦٢٥
(٢) د. محمد حسن عبد العزيز: مدخل إلى علم اللُّغَة، دار الثقافة العَرَبِيَّة، القاهرة، ) بدون تاريخ للطبعة (،
ص ٣٢٢
(٣) د. هدسون: علم اللُّغَة الاجتماعِيّ، ترجمة: د. محمود عياد، عالم الكتب، القاهرة، ط ٣، ) ٢٠٠٢ م (،
ص ١٦
(٤) ستيفن أولمان: دور الكلمة في اللُّغَة، ص ٢٥
(٥) د. كمال بشر: علم اللُّغَة الاجتماعِيّ، ص ٤٤ ــ ٤٨
(٦) ستيفن أولمان: دور الكلمة في اللُّغَة، هامش ص ٣٤، والكلام للدكتور بشر.

<<  <   >  >>