للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويؤكد على هذه الدِّلَالَة الزَّمَنِيَّة مع اسم الفاعل بشكل آخر عند حديثه عن «تصغير اسم الفاعل». فيقول: «واعلم أنَّك لا تحقِّر الاسم إذا كان بمنزلة الفعل، ألا ترى أَنَّهُ قبيح: هو ضويربٌ زيدًا، وهو ضويربٌ زيدٍ، إذا أردت بضارب زيدٍ التنوين. وإن كان ضارب زيدٍ لما مضى فتصغيره جَيِّد») (١).

فإذا أراد المُتَكَلِّم بـ «ضارب زيد» التنوين ــ أي المستقبل ــ قبح التصغير، وإن أراد المضي، فالتصغير جَيِّد. أي أَنَّ صيغة التصغير هنا تتوقف على السِّياق الذي ترد فيه الجملة. ويكون قبح تصغير اسم الفاعل أو جودته مرتبطا بالزمن؟

وقد يثور سؤال: لماذا يقبح تصغير اسم الفاعل إذا دَلَّ على المستقبل ويجود إذا دَلَّ على الماضي؟

يمكن أَنْ نقول إِنَّ القبح أو الجودة مرتبطان هنا بدلالة اسم الفاعل على الزمن، والأغراض التي يأتي لها التصغير متعددة، مثل: التحقير، وتقليل جسم الشيء وذاته، وتقليل الكمية والعدد، وتقريب الزمان والمكان، والتحبب، وإظهار الود، والترحم، والتعظيم) (٢). وكل هذه الأغراض تتطلب سياقا يسبقها، سياقا تكوَّنت فيه للمتكلم خبرة مُعَيَّنَة جعلته يستخدم التصغير؛ فأنا لا أحقر أو أتحبَّبُ أو أظهر الودَّ أو أترحم أو أعظم لـ «مَنْ» أو «ما» لا أعلمه سلفا، فنحن لا نترحم عقلا على شيء سيقع في المستقبل لم نعلمه بعد، ولا نعظم من لا نعرفه سلفا. ونحن لن نقلل كمية أو عددا لم نرها أو نره، ولن أقرب زمانا أو مكانا لم أعش فيه، فكل هذا يتطلب خبرة اجتماعِيَّة تجعلني أحكم بهذا.

وأشار العلماء إلى أَنَّ المشتقات عموما ومن بينها اسم الفاعل قد تحل محل المصدر، كما جاء في شرح التسهيل: «وقد يقوم مقام المصادر صفات مقصود بها الحالِيَّة على سبيل التوكيد، نحو عائذا بالله من شرها، وهنيئا لك، وأقاعدا وقد سار الركبُ») (٣).

إن قولنا: «عائذا بالله من شرها» يجري مجرى «عِياذا بالله». والسبب الذي جعل العلماء يقولون إِنَّ المشتقات عموما ومن بينها اسم الفاعل يحل محل المصدر هو بلا شك قرينة سياق

الحال؛ فالمُتَكَلِّم في المثال السابق «عائذا بالله من شرها» لا يتعوذ بالله من شيء في وقت، ويتعوذ به منه في وقت آخر على حسب ما تدل عليه صيغة اسم الفاعل التي تعرف بأنَّها: «الاسم المشتق


(١) سيبويه: الكتاب، ٤/ ٤٨٠
(٢) عباس حسن: النحو الوافي، ٤/ ٦٨٣ ــ ٦٨٤
(٣) محمد بن عبد الله الطائي: شرح تسهيل الفوائد، ت: د. عبد الرحمن السيد، د. محمد بدوي المختون، هجر للطباعة والنشر، القاهرة، ط ١، ) ١٩٩٠ م (، ٣/ ١٢٢

<<  <   >  >>