للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لهذا الوزن. فالوزن «استفعل» له من المعاني الصَّرْفِيَّة الدِّلالِيَّة: «وجود الشيء على حال مُعَيَّنَة، الطلب، التحول من حال إلى حال»، وهي معاني قررها بعد التتَبُّع والاستقصاء.

وسيبويه ــ كما سبق وأَنْ أوضحنا ــ يلتزم بالطريقة الإِحْصَائِيَّة في دراسته لِلُّغَة وقواعدها، ويشمل هذا أيضا البنية الصَّرْفِيَّة بدليل قوله: «وليس في الكلام افْعَنلَلته، وافْعَنْلَيْتُه، ولا افعَالَلْتُه، ولا

افْعلَلتُه») (١). فهذه مقولة دالة لا محالة على منهجه الإِحْصَائِيّ، وسيبويه من الأمانة العلميَّة بحيث لا ينسب لِلُّغَة ما ليس فيها. وإذا كان سيبويه يتَتَبَّع البنى اللفظِيَّة غير المستعملة وغير الموجودة فمن باب أولى أَنْ يكون أشد تتَبُّعا لما هو مستعمل منها.

• الثانية:

دلالات الأوزان الصَّرْفِيَّة التي ذكرها سيبويه ليست «ثابتة» بل هي «متطورة»، ونحتاج دوما إلى تحليل السِّياقات التي ترد فيها هذه الأوزان للوقوف على هذه الدلالات الجديدة.

ونحن نعلم من علم الدِّلَالَة:

١ ــ أنَّ المفردات لا تستقر على حال، وذلك لأَنَّ «الحياة تشجِّع على تغير المفردات؛ لأَنَّها تضاعف الأسباب التي تؤثر في الكلمات، فالعلاقات الاجتِماعِيَّة والصناعات، والعُدد المتنوعة تعمل على تغير المفردات، وتقصي الكلمات القديمة، أوتحور معناها، وتتطلب خلق كلمات جديدة» (٢).

٢ ــ أنَّ كل جماعة لغوية تترابط لغويا، وتتحول إلى جماعة ثقافيَّة متميزة تصوغ بين الحين والآخر مدلولات جديدة للكلمات بحكم استخدامها للأشياء ومرورها بتجارب مختلفة، ولهذا كانت المدلولات سابقة لدوالها (٣).

٣ ــ اللُّغَة ليست هامدة أوساكنة بحال من الأحوال، بالرغم من أَنْ تقدمها قد يبدو بطيئا في بعض الأحايين، فالأصوات والتراكيب والعناصر النحوِيَّة وصيغ الكلمات ومعانيها معرضة كلها للتغير والتطور (٤). وتزداد سرعة التطور اللغويّ بازدياد انتشار اللُّغَة بين غير أهليها، وبازدياد عدد الذين يتكلمونها وتنوعهم (٥).


(١) سيبويه: الكتاب، ٤/ ٧٧
(٢) د. رمضان عبد التواب: التطور اللغويّ، ص ١١، ١٢.
(٣) د. كريم زكي حسام الدين: التحليل الدِّلَالِيّ، إجراءاته ومناهجه، ١/ ١١
(٤) د. كمال بشر: دور الكلمة في اللُّغَة، ص ١٥٣
(٥) د. رمضان عبد التواب: التطور اللغويّ، ص ١٢.

<<  <   >  >>