للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال إِنَّ: «المُتَكَلِّم يريد أَنْ ينفي جملة من الجمل أو معنى من المعاني وقد تدفعه حالته النفسِيَّة أو ظروف الكلام إلى تأكيد هذا النفي؛ فيكرر أداة النفي مثنى وثلاث ورباع» (١).

بل إِنَّنَا نفهم من كلام د. أنيس أَنَّهُ يكاد ينفي الوجه الأول من نفي النفي حين يقول:

«فاللغات حين تكرر الأداة في موضع ما من الجملة إِنَّمَا تهدف إلى توكيد فكرة النفي لا إلى الإثبات» (٢). إِنَّ مسألة نفي النفي مثال جَيِّد على خطورة إهمال السِّياق، وأنَّ إهماله قد يجعل المستمع أو المخاطب يفهم عكس المراد تماما من النَّصّ أو الكلام) (٣).

o عدم استيعاب التوجيه النَّحْوِيّ، وصيرورة اللُّغَة إلى فوضى، وإجداب الدراسات اللُّغَوِيَّة:

هذا هو الأمر الثاني من خطورة غياب السِّياق عند التَّقْعِيد. إِنَّ كثيرا من التوجيهات النحوِيَّة والبَلاغِيَّة تعتمد على سياق الحال، ولا يمكن أَنْ يتمَّ هذا التوجيه وفهمه إلا بمعونته. ومثال ذلك:

• كيف يتم استيعاب حذف النعت «صالحة» بعد منعوتها «سفينة» في قوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: ٧٩] بدون فهم القصة التي قيلت فيها هذه الآية؟

ومثله قوله: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ} الأنعام: ٦٦؛ أي: المعاندون، وقوله: {قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} هود: ٤٦؛ أي: الناجين، {قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} البقرة: ٧١؛ أي: الواضح، {تُدَمِّرُ كُلَّ


(١) من أسرار اللُّغَة: ص ١٧٩
(٢) السابق: ص ١٧٩
(٣) جاء في كتاب ((البلاغة العَرَبِيَّة)) لعبد الرحمن بن حسن حبنكة ١/ ١٩٢ ما نصه: ((المؤكد الرابع عشر: تكرير النفي، مثل قول الشاعر:
لاَ. لاَ أَبُوحُ بحُبّ بَثْنَةَ إِنَّهَا ... أَخَذَتْ عَلَيَّ مَواثِقًا وَعُهُودًا [بحر الكامل])).

فقد اعتبر صاحب كتاب البلاغة العَرَبِيَّة تكرار النفي نوعا من المؤكدات في العَرَبِيَّة. ومن يتأمَّل تكرار النفي في الشعر يجد أنَّه لإفادة التوكيد على وجه العموم، فمعظم النصوص الشعرِيَّة التي وقعت بين أيدينا وبها تكرار للنفي أفادت التوكيد، مثل قول الشاعر ((مجنون ليلى)):
خَليلَيَّ لا وَاللَهِ لا أَملِكُ الَّذي ... قَضى اللَهُ في لَيلى وَلا ما قَضى لِيا [بحر الطويل]
قول الشاعر ((زكي مبارك)):
من أنت لا لن أسمّى من أهيم به ... يكفى الذي قد مضى من فضح أشجاني [بحر البسيط]
وقوله: لا لن أبوح بحبي لن أبوح به ... إني لأنبت من أركان ثهلان [بحرالبسيط]

<<  <   >  >>