للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- «وسمعناهم ينشدون هذا البيت ... » (١).

- «وأنشدناه هكذا أعرابي من أفصح الناس، وزعم أَنّهُ شعر أبيه» (٢).

وقد عقد سيبويه بابا من أبواب كتابه سماه «باب وجوه القوافي في الإنشاد» قال فيه: «الشعر وضع للغناء والتَّرَنُّم» (٣).

وقد أشار سيبويه لهذا الإنشاد في أكثر من ٤٥ موضعا.

ولا شك أَنَّ حالة الإنشاد هذه التي يقوم بها الشاعر أو من ينوب عنه يصاحبها رفع الصوت، وكثير من الإشارات الجسدِيَّة والهيئة والإيقاع والتقطيع والتشدُّق وكل ما يُعين مُلْقِي القصيدة على التعبير عن قصيدته وما بها من معان (٤).

ومن إشارات البغدادي لهذا الأمر قوله: «العرب كان بعضهم يُنشد شعره للآخر؛ فيرويه على مقتضى لغته التي فطره الله عليها وبسببه تكثر الروايات في بعض الأبيات») (٥).

من إشارة البغدادي نعلم أنَّ تناشُد الشعر كان أمرا مألوفا بين العرب، وأن العرب كانت تُنشد شعرها لبعضها البعض، وهذا يعني ــ من وجهة نظر الباحث ــ أنَّ الملابسات السياقيَّة للنصِّ الشعريّ المُنشَد ستكون حاضرة مع كل قصيدة. كل الملابسات السياقية بما فيها النواحي الصوتية للمنشِد وتعبيرات الوجه والجسد وغيرها.

ومما قرأه الباحث ــ ويجِدُهُ قريبا مما نتحدِّث عنه هنا ــ كلامًا عن «الثقافة الشفاهيَّة» في كتاب

«الشفاهيَّة والكتابيَّة Orality and Literacy») (٦) لمؤلفه والتر ج. أونج. وهو كتاب يبرز الفرق بين الثقافة الشفاهيَّة ــ أي التي تقوم على المشافهة ــ، والثقافة الكتابيَّة ــ أي التي يقوم على الكتابة ــ ومن المبادئ التي أرساها والتر ج. أونج في هذا الكتاب:

أ « ... أَمَّا في الكلام الشفاهيّ، فلا بدَّ أَنْ تشمل الكلمة هذا التنغيم أو ذاك كأنْ تكون الكلمة حيوية أو مثيرة أو هادئة أو ساخطة أو مذعنة، أو أيًّا ما كانت، فمن المحال نطق كلمة ما شفاهة دون أي تنغيم ... والممثلون ينفقون الساعات لتقرير كيف ينطقون الكلمات في النَّصّ


(١) سيبويه: الكتاب، ٤/ ٤٧١
(٢) سيبويه: الكتاب، ٣/ ٣٠٠، وقد ورد التصريح بالإنشاد في أكثر من ثلاثة وأربعين موضعا.
(٣) سيبويه: الكتاب، ٤/ ٢٠٤
(٤) د. علي الجندي: الشعراء وإنشاد الشعر، دار المعارف، القاهرة، ) بدون تاريخ للطبعة ولا ترتيبها (، ص ٤٤ وما بعدها
(٥) خزانة الأدب: ١/ ١٧
(٦) يقول د. حسن البنا عز الدين مترجم هذا الكتاب عنه أن الكتاب منذ صدوره عام ١٩٨٢ م أعيد طبعه بالإنجليزية عشر مرَّات حتى عام ١٩٩٢ م، وترجم لأكثر من خمس عشرة لغة منها الكورية والصينية، ص ١٢

<<  <   >  >>