للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأهم ما أسفرت عنه أبحاث علماء النفس عن الدافع والدافعية «أَنّهُ من غير الممكن للكائن أَنْ يُصْدِرَ نشاطا أو سلوكا مُعَيَّنًا دون أَنْ يُهَيَّأَ دافعيًّا للإتيان بهذا السلوك أو النشاط. بمعنى آخر أَنَّ مجرد صدور النشاط في ذاته يقضي بتوافر درجة معيَّنة من الدافعِيَّة دونها يستحيل إصدار هذا النشاط») (١). وممّا يقرُّهُ علماء النفس أَنَّ سلسلة تفسير السلوك يجب أَنْ تحوي «الحلقات الثلاث الأتية: المنبِّه) شرط خارجي (ــ الطاقة الحيوية والتوتر العضوي) شرط داخلي (ــ الاستجابة») (٢). ويقرُّون أيضا أَنَّ من خصائص الكائن الحي قابليَّته للتهيُّج، وهي «مقدرة الكائن الحي على الردّ على التنبيهات بألوان مختلفة من الحركات») (٣). وأنَّ إرادة المُتَكَلِّم لكي تجد طريقها لتنفيذ الفعل يجب أَنْ تكون في بؤرة شعور المُتَكَلِّم) (٤).

إذا حاولنا تطويع هذه الحقيقة لخدمة موضوعنا يمكن أَنْ نعتبر السِّياق «دافعا ــ منبِّها ــ

مهيِّجًا»، وأنَّ الكلام هو «النشاط» أو «الاستجابة»، الناتجة عن هذا الدافع. فالدافع يدفع «إرادة

المُتَكَلِّم» إلى أَنْ يصدر عنه «نشاطٌ / كلامٌ» لتحقيق هذا الدافع. ويفهم من الحقائق السابقة أَنَّ العلاقة بين «الدافع / السِّياق» و «النشاط/ الكلام» علاقة تلازم واجبة، فلا نشاط أو كلام بدون دافع سِياقِيّ وراءه. وهذا ما يمكن أَنْ نفسر به كلام د. مصطفى ناصف إذ يقول: «إِنَّ المُتَكَلِّم يقف موقفا خاصا من السامع. ويتضح هذا الموقف في اختيار الكلمات وترتيبها») (٥).

فإذا وُضِعَ المُتَكَلِّم في موضع «شكّ» مثلا و «دُفِعَ» إلى تأكيد كلامه فَإِنَّ هذا «يضطره» إلى اختيار تركيب نحوِيّ ما «مناسب» من البدائل النحوِيَّة التي تفيد التوكيد لكي يُزيل هذا

«التوتر أو الاستثارة» التي خلقها السِّياق بالنسبة له.

ولعل كلامنا هنا يتوافق مع ما أثبته شيخنا محمود شاكر في كتابه «المتنبي»، عند إيضاحه للعلاقة بين المُتَكَلِّم وكلامه إذ يقول: «في نظم كل كلام وفي ألفاظه ولابد أثر ظاهر أو وسم خفي من نفس قائله، وما تنطوي عليه من دفين العواطف والنوازع والأهواء من خير أو شر أو صدق


(١) د. محيي الدين أحمد حسين: دراسات في الدافعية والدوافع، دار المعارف، القاهرة، ط ١، ) ١٩٨٨ م (،
ص ١٠
(٢) د. يوسف مراد: مبادئ علم النفس العام، ص ٣٩
(٣) السابق، ص ٧٨
(٤) السابق، ص ٤٠ وينبغي الإشارة إلى أَنَّنا لسنا بدعا في استعانتنا بمعطيات علم النفس، فقد قام العالم اللغويّ بلومفيلد Bloomfield بهذا من قبل عند تحليله للمعنى بأسلوب ((سلوكي))؛ أي أنه ((نظر إليه على أنه سلسلة من المثيرات والاستجابات))، ينظر: ستيفن أولمان، دور الكلمة اللُّغَة، ص ١٨
(٥) اللُّغَة والتفسير والتواصل، ص ١١

<<  <   >  >>