للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذب، ومن عقل قائله، وما يكمن فيه من جنين الفكر من نظر دقيق ومعان جلية أو خفية، وبراعة صادقة ومهارة مموهة، ومقاصد مرضية أو مستكرهة») (١).

ولَعلَّ هذا العدد الهائل من المواضع التي تتحدث عن حُرِّيَّة الإرادة عند سيبويه والذي تجاوز الخمسمائة موضع هو ما جعل الزَّمَخْشَرِيّ المعتزلي متيمًّا به، ومكثرا من ذكر اسمه، ومدافعا عنه، بل في بعض الأحيان مرددا أقواله في كثير من مؤلفاته. فالمعتزلة ــ بوجه عام ــ والزَّمَخْشَرِيّ إمام من أئمتهم «يقررون بمبحثهم في العدل أَنَّ للإنسان قدرة وإرادة ومشيئة واستطاعة، قد خلقها له الله، وأَنَّها تؤدِّي وظائفها بشكل مستقل وحر») (٢). فلَعلَّ هذا الاتفاق بينهما في هذه المسألة هو ما شد الزَّمَخْشَرِيّ لسيبويه.

ولَعلَّ هذه القضية قضية حُرِّيَّة الإرادة تفسِّر لنا أيضا قول المستشرقين «هـ. ا. ر. جب»

و«ج. هـ. كالمرز» الذي ذكراه في مادة «المعتزلة» في موسوعتهما، حيث قرَّرا أَنَّ المعتزلة لهم دورهم في شرح القرآن، «فهم الذين أدخلوا الأسلوب النَّحْوِيّ بالمعنى الدقيق. [وأنَّ] هناك علاقة وثيقة جدا بينهم وبين المدرسة النحوِيَّة في البصرة، التي كان ممثلوها يعلمون بوجه عام المذاهب

المعتزلية») (٣).

وكَأَنَّ هذين المستشرقين يريدان أَنْ يثبتا علاقة نحاة البصرة ومن بينهم سيبويه بالاعتزال، وهذا زعم قد يؤَيِّده هذا العدد الهائل من إشارات سيبويه لإرادة المُتَكَلِّم وحريتها.

***


(١) ص ١٥
(٢) د. محمد عمارة: تيارات الفكر الإسلامي، دار الشروق، القاهرة، ط ١، ) ١٩٩١ م (، ص ٤٨
(٣) هـ. ا. ر. جب وج. هـ. كالمرز: الموسوعة الإسلامية الميسرة، مكتبة الأسرة ــ الهيئة المصريَّة العامة للكتاب، القاهرة، ط ١، ) ٢٠١٣ م (، ٢/ ١٠٩٨

<<  <   >  >>