للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتردُّد مصطلح الأصل في الكتاب كُلّ هذا التردُّد يوحي ببعد تاريخي يقوم به سيبويه للتركيب الذي يدرسه ويقعِّد له. وقد سبق لنا إعطاء معنى مُحَدَّد لمصطلح الأصل عند سيبويه في التمهيد عند الحديث عن أهم المصطلحات.

ويمكن أَنْ نعتبر أنَّ عناوين أبواب سيبويه تمثل التركيب النَّحْوِيّ الذي يدرسه، وبداخل هذا الباب الأمثلة التي تؤيد هذا التركيب؛ فكأنَّ التركيب جنس والأمثلة هي «ما صدق» هذا الجنس.

إن فكرة تقسيم اللُّغَة إلى أنماط تجريدية فكرة واضحة لا مرية فيها يمكن أَنْ ندعمها بعشرات الأمثلة، وليعلمْ مَن أراد إحصاء النصوص التي يُفهَم منها فكرة الموقعيَّة والنَّمَطِيَّة للتراكيب اللُّغَوِيَّة أَنّهُ يمكنه أَنْ يحصر ما يزيد على أربعمائة) ٤٠٠ (موضعا.

وفكرة النَّمَطِيَّة هذه تذكرنا بفكرة مماثلة عند العالم اللغويّ المعاصر دي سوسير وتفريقه بين اللُّغَة والكلام، ولولا الخوف من الزلل، وألّا تصيب عبارة الباحث مرماها، وأَنْ يكون قد فاته شيء لم ينتبه إليه لقال: إِنَّ سيبويه قد سبق علماء اللُّغَة المحدثين وعلى رأسهم دي سوسير الرائد الأول للمدرسة البنيوية، سبقهم بالأفكار التي قال فيها بوجود فرق بين اللُّغَة والكلام، وسبقهم بفكرة

((تنميط قواعد اللُّغَة))، حيث كان البنيويُّون «يجمعون المادة اللُّغَوِيَّة من أفواه الناس ويسجِّلونها، ثُمَّ يبدؤون بتقسيمها إلى جمل، فأشباه جمل، فكلمات، فأجزاء الكلمات إلى أَنْ يصلوا إلى الأصوات، أو اللبنات الأولى، التي تتألَّفُ منها اللُّغَة جميعها. ثُمَّ يستخدمون الأسلوب العلمي الدقيق في اكتشاف الطرائق التي تتجمع بها الأصوات لتؤلف الكلمات، والكلمات لتؤلِّف الجمل؛ أي لتؤلف النماذج أو الأنماط التي تنتج عن كل عَمَلِيَّة من تلك العمليات») (١).

على أَنَّ هناك فرقا بين الرجلين في تنميطهما التركيبي لِلُّغَة، فبينما كان اهتمام دي سوسير منصبًّا على وصف اللُّغَة، أيَّ لغة، «من داخلها وبالاعتماد على المعايير اللُّغَوِيَّة دون سواها سعيًا وراء التوصُّل إلى وصف دقيق علمي شامل لتركيب أو بنية اللُّغَة الأساسيَّة ... [و] دون الإشارة إلى المعاني، أو إلى واقع العالم الذي تعيش فيه») (٢) ــ نجد سيبويه يربط النمط اللغويّ بالسِّياق الذي يقال


(١) د. نايف خرما، علي حجاج: اللغات الأجنبية تعليمها وتعلمها، ص ٢٨
(٢) السابق، ص ٢٨، ٢٩، ٣٠

<<  <   >  >>