ثم اختلفوا في وجوب هذا المبيت على طرق ينبني عليها حكم إراقة الدم، هل هو على سبيل الوجوب أو الاستحباب:
أحدها: يجب قطعًا.
والثاني: يستحب قطعًا.
والأظهر: أنه على القولين فيمن دفع من عرفة قبل الغروب، فلذلك قال المصنف:(وفي وجوبه القولان).
لكن هذا يقتضي: أن يكون الصحيح عند الرافعي عدم وجوب الدم، وعدم وجوب المبيت بمزدلفة كما تقدم، والمصنف صحح خلافه، وهو المنصوص في (الأم)، فهو الصحيح من جهة المذهب، ولم ينبه المصنف عليه هنا.
ومحل القولين: إذا لم يكن عذرًا، أما المعذور بما سيأتي في مبيت منًى .. فلا دم عليه، وكذلك من انتهى إلى عرفات ليلة النحر واشتغل بالوقوف عن المبيت بمزدلفة .. فلا شيء عليه باتفاق الأصحاب.
وفي وجه: أن المبيت بمزدلفة ركن لا يصح الحج إلا به، قاله ابن بنت الشافعي وابن خزيمة، وأشار ابن المنذر إلى ترجيحه؛ لأن الأصل في كل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من شأن الحج أن يكون ركنًا، ما لم يقم دليل على أنه يجبر بالدم أو على كونه سنة.
وفي (مسند أبي يعلى الموصلي)[٩٤٦]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ومن لم يدرك جمعًا .. فلا حج له)، وحمله على نفي الكمال بعيد.
والجواب: أنه صرفنا عن ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم بعض أهله قبل الفجر، فلو كان ركنًا .. لم يختلف في حق المعذور وغيره كسائر الأركان؛ فإن المعذور إنما يفارق غيره في الواجب أو السنة لا في الأركان.
قال:(ويسن تقديم النساء والضعفة بعد نصف الليل إلى منًى) ليرموا الجمرة قبل زحمة الناس؛ لأن سودة رضي الله عنها استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في