قال:(ولو قال: أعمرتك هذه الدار فإذا مت فهي لورثتك) أو لعقبك (... فهي هبة) مما يتعلق بالصيغة الكلام في العمرى والرقبى، وهما لفظان كانت العرب تستعملهما في عطيتين مخصوصتين، وقد ورد الشرع بتعيين بعض أحكامهما.
ولفظ العمري مأخوذ من العمر؛ لأنه يجعلها له عمره، والرقبى من المراقبة؛ لأن كلًا منهما يرقب صاحبه.
والأصل في ذلك: ما رواه مسلم [١٦٢٥] عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه .. فإنها للذي أعطيها لا ترجع إلى الذي أعطاها؛ لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث).
ورواها عن النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت وأبو هريرة وابن عمر وابن عباس، وأجمع الناس على صحة العمرى في الجملة، ولها صور:
إحداها: ما بدأ به المصنف، قال الأصحاب كلهم: تصح، وهي الهبة بعينها لكنه طول العبارة، ولا خلاف أنه إذا مات في هذه الصورة .. تكون لورثته، فإن لم يكن له وارث .. كانت لبيت المال، ولا تعود إلى المعمر بحال، ولا خلاف أنها لا تختص بالعقب، بل ورثته كلهم كذلك، وهو ظاهر.
وتمثيله بـ (الدار) لا يفهم منه الحصر، بل الحيوان وغيره كذلك بلا خلاف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(من أعمر شيئًا ...).
ولو قال: سكنى هذه الدار لك عمرك، أو قال: أسكنتها لك عمرك .. صح، وكانت هبة منافع تستوفى بمضى الزمان شيئًا فشيئًا، وللمسكن الرجوع متى شاء، وأيهما مات .. بطلت الإباحة.
وقال مالك: اللفظ الذي ذكره المصنف ينصرف إلى المنافع؛ لأن تمليك الرقبة