إذا كنت ندماني فبالأكبر اسقني .... ولا تسقني بالأصغر المتثلم
لعل أمير المؤمنين يسوءُه .... تنادمنا في الجوسق المتهدم
فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فكتب إليه:
(بسم الله الرحمن الرحيم: {حم تَنزِيلُ الكِتَابِ مِنَ الله العَزِيزِ العَلِيمِ غَافِرِ الذنبِ وقَابِلِ التوبِ شَدِيدِ العِقَابِ ذِى الطولِ لاَ إِلَهَ إِلاَ هُو إِلَيهِ المصِيرُ}.
أما بعد: فقد بلغني قولك (من الطويل):
لعل أمير المؤمنين يسوءُه .... تنادمنا في الجوسق المتهدم
وايم الله! لقد ساءني) ثم عزله، فلما قدم عليه سأله فقال: ما كان من هذا شيء، وما كان إلا فضل شعر وجدته، وما شربتها قط، فقال عمر رضي الله عنه:(أظن ذلك، ولكن لا تعمل لي عملاً أبداً).
فنزل البصرة، ولم يزل يغزو مع المسلمين حتى مات، وشعره فصيح يستشهد أهل اللغة بقوله:(ندمان) في معنى (نديم).
قال:(يبدأ من تركة الميت بمؤنة تجهيزه) من كفن وحنوط وأجرة تغسيل وحفر وحمل وغير ذلك بالمعروف؛ لأنه يحتاج إليها كاحتياج المفلس إلى النفقة فتقدم نفقته قبل قسمة ماله، بل وصرح الماوردي في (باب الردة) بأن الموت مزيل للملك إلا عما لا يستغنى عنه من كفنه ومؤنة تجهيزه، وسيأتي وجه في (باب قطع السرقة): أن الكفن باق على ملك الميت.
والمراد بـ (التركة): ما يخلفه الميت، وهو أحسن من تعبير غيره بالمال؛ فإنه لو ترك خمرًا فتخللت أو نصب شبكة ووقع فيها بعد موته صيد .. روث أيضًا، وكذا الدية المأخوذة في قتله؛ بناء على الأصح في دخولها في ملكه قبيل الموت.
وكذلك يخرج من تركته مؤنة من تلزمه مؤنته كما نقله في زوائد (الروضة) في (باب الفلس) عن النص وكلام الأصحاب، وذلك على العرف في يساره وإعساره، ولا اعتبار بلباسه في حياته إسرافًا وتقتيرًا، فإن قصرت التركة عن تمام المؤنة .. أتمها من تلزمه إذا لم تكن تركة.