فمن الأول تعالى:{وإن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}.
ومن الثاني:{إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ويُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ}، و {أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}.
وفي في اللغة: مطلق النظافة والنزاهة عن الأقذار، وفي الشرع: رفع الحدث، وإزالة النجس، وما في معناهما: كالتثليث، والمضمضة، والاستنشاق، والأغسال المسنونة، والوضوء المجدد، وطهارة دائم الحدث، والدبغ، وانقلاب الخمر خلاً، فهذه طهارات شرعية لا ترفع حدثاً ولا تزيل نجساً، لكنها من مجاز التشبيه؛ لأن الوضوء المجدد شبيه بالوضوء الرافع للحدث في صورته، وكذلك الأغسال المسنونة شبيهة بالغسل الرافع للحدث، والغسلة الثانية والثالثة تشبهان الأولى، وكذلك التيمم أطلق عليه طهارة؛ لمشابهته الوضوء في إباحته الصلاة.
واستشكل الشيخ التعبير بالرفع، وقال: هذا حد للتطهير لا الطهارة، والطهارة أثره.
قال: والصواب: التعبير بالارتفاع والزوال؛ فإن الطهارة مصدر تطهر، والرفع والإزالة فعل الشخص، والزوال يشمل انقلاب الخمر خلاً؛ لأنه لا فعل فيه.
قال:(قال الله تعالى: {وأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}). بدأ بالآية تبركاً واقتداء بالشافعي رضي الله عنه، فإن من عادته إذا كان في الباب آية .. ذكرها، أو سنة .. روها، أو أثر .. حكاه، ثم رتب عليه مسائل الباب، وكذلك فعل في (المحرر).
و {مَاءً} في الآية: عامة لوقوعها في سياق الامتنان؛ إذ يستحل أن يمتن علينا بغير طاهر، فوجب حمل قوله:{طَهُورًا} على معنى زائد، وهو: التطهير.
ويؤيده أن قوماً قالوا: يا رسول الله؛ إنا نركب البحر، ونحمل القليل من الماء،