للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما حدث لعمار بن ياسر وأبيه وأمه، إذ كان المشركون يوقعون بهم أشد ألوان التعذيب، ويطرحونهم في العراء تحت حر الشمس ورمضاء الرمال الحارقة ولا يرحمهم أحد، وكان صاحب الدعوة إذا مر بهم وهم يُعذَّبون لا يفعل شيئاً سوى أن يقول: "صبراً آل ياسر، فإن موعدكم الجنة"، ومات ياسر أبو عمار تحت وطأة العذاب. أما سُمَّية - أم عمار- فقد طعنها أبو جهل بحربة في "قُبُلها" فكانت أول شهيدة في الإسلام ثم تفرغوا لعمار فضاعفوا تعذيبه بكل قسوة وغلظة وهم يقولون له: لن تترك حتى تسب محمداً، أو تمدح آلهتنا، فتظاهر بالقول ليفدى نفسه، ثم قدم على صاحب الرسالة - صلى الله عليه وسلم - باكياً معتذراً فأنزل الله فيه قوله تعالى: { ... إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ... } .

وما فعلوه مع بلال ومع آل ياسر فعلوهمع خباب بن الأرت فكانوا يضعون على ظهره الفحم الملتهب، أو يرصون فوقه الصخور حتى لا يستطيع حراكاً؟!

وصنعوا مثل هذا مع الإماء اللاتي أسلمن. كل ذلك والمسلمون - سواء منهم من عُذّب ومن كانت له عشيرة تحميه - لا يملكون إلا الصبر الجميل وقوة الإحتمال، وكان صاحب الدَّعُوة يُرغَّبهم في الصبر، ويذكر لهم قصص المؤمنين في التاريخ النبوي القديم، وكيف كانوا يتدثرون بالصبر على ما أصابهم، فما ضعفوا وما استكانوا حتى لقوا الله صابرين محتسبين.

* * *

* الهجرة إلى الحبشة:

وخاف فريق نت المرمنين من أن يُفتنوا في دينهم تحت وطأة التعذيب، التي اشتدت في السنة الخامسة من البعثة الشريفة، وكان الذي أوعز إليهم بالهجرة نزول سورة الكهف التي وردت فيها قصة الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم هدى، وهجروا قومهم إلى الكهف فراراً بدينهم. فلاحت فكرة الهجرة من مكة التي ضاق بهم فيها المقام.

<<  <   >  >>