رجوع الناس إليه وحده لا إلى أحد سواه. وقرر في الثانية منهما أن حساب الناس عليه هو، وليس على أحدٍ سواه.
ولما كان هذا المبدأ من آصل الأصول في الإسلام عبر عنه القرآن في أساليب فخمة قوية الإحكام:
ففيها من أدولت توكيد المعنى: حرف التوكيد "إن" ثم ما يعرف عند علماء المعاني بـ "اسمية الجملة" لأن الجملة الإسمية التي ركناها: المبتدأ والخبر. أثبت دلالة من الجملة الفعلية التي ركناها: الفعل والفاعل. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن جميع التراكيب التي تحدثت عن هذا المعنى، وهو حصر مهمة الدعاة في التبليغ جاءت في القرآن الحكيم جملاً قَصْرية، {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ} ، {إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ}{فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} . {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} . {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} وغير ذلك مستفيض في آيات الذكر الحكيم.
* * *
* حرص صاحب الدعوة، وتعقيب الوحي عليه:
من المعلوم أن صاحب الدعوة - صلى الله عليه وسلم - كان حريصاً على إسلام قومه. وقد بذل من الجهد رغبة في ألأن يقبلوا الإسلام ما تجاوز حدود الرسالة المنوطة به - صلى الله عليه وسلم -، مُحَمّلاً نفسه من الكد والعناء ما لا طاقة لأحد به غيره، بَيْدَ أن الوحي الأمين كان يتعقب مواقف حرصه المرة تلو المرة ويدعوه أن يترفق بنفسه ولا يُحّلها من المشاق ما لم يأمره الله به.
ومن تعقيبات الوحي الرحيم على حرصه - صلى الله عليه وسلم - على إمانهم وتحمله المشاق الزائدة عن المطلوب في هدايتهم، وحزنه الشديد على إعراضهم، من تلك التعقيبات قوله تعالى: {طه (١) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (٢) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} .