للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

* وقفة مع أدلة الفريق الثاني:

الفريق الثاني هو القائل بأن علاقة المسلمين بغيرهم هي علاقة سلام في الأصل لا علاقة حرب، وقد ذكرنا بعضاص من أدلتهم في ما مضى.

وكل أدلتهم سلمت من اي قدح في الاستدلال بها، اللهم إلا قولاً بالنسخ غير مجمع عليه.

فمن قائل: إن آية: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً}

نسخت كل آيات الموادعة والمهادنة.

ومن قائل: إن آية: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ ... } هي التي نسخت.

وقائل إن: آية: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ....} هي الناسخة لآيات الموادعة والمهادنة.

وخالف بعضهم فقال: إن هذه الآيات منسوخة ومما نسخها قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} وهذ كلها أقوال اجتهادية ليس فيها إجماع قط.

ثم في المسألة قول ثالث يذهب إلى عدم النسخ في أي من أدلة الفريقين. فلا آيات القتال منسوخة، ولا آيات العفو والصلح منسوخة، بل إن كل الآيات معمول بها (محكمة) ، كل فيما يختص به، وعلى هذا تكون آيات القتال معمولاً بها إذا حاربنا العدو أو ظاهر من يحاربنا أو طعن في ديننا طعناً ظاهراً، أو أخرجنا من ديارنا، وتكون آيات الصلح والعفو معمولاً بها إذا جنح العدو للسلام واعتزلنا فلم يقاتلنا.

وهذا هو الصواب الأحق من القول بالنسخ. وقد أشار ابن عطية إلى أن قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} عند من قال إنه نسخ كل آيات الموادعة والمهادنة في القرآن، فإنه يلزم من هذا القول نسخ مائة آية وأربع عشرة من القرآن.

<<  <   >  >>