ويضاف إلى هذا أن صاحب الرسالة عام فتح مكة عفا عن هؤلاء المشركين جميعاً بعد كل الذي فعلوه معه ومع أصحابه وقال لهم في عفوه العام عنهم:"أذهبوا فأنتم الطلقاء" فكانت هذه السماحة الإسلامية سبباً في إسلام المشركين العرب جميعاً إلا من مات منهم على الكفر قبل هذا العفو الكريم.
* الخلاصة: ويعلم مما تقدم أن هذه الآية ليس فيها دليل للقائلين بأن علاقة المسلمين بغيرهم علاقة حرب لا علاقة سلام: لا جزماً ولا احتمالاً.
* * *
* الدليل الثاني:
وكان مما استدل به الفريق الأول من القرآن هو قوله تعالى:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} .
هذه الآية الكريمة وما بعدها نزلت في شأن أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وفيها أمر بقتالهم بعد أن فرغت الآيات التي قبلها من تفصيل بعض الأحكام في شأن مشركي العرب. وجاء الأمر بقتال أهل الكتاب لأن اليهود ارتكبوا جرائم فظيعة، في حق الإسلام والمسلمين، ولأن الروم - وهم نصارى - بيتَّوا النَّية على غزو ومحاربة الدعوة لا لأنهم يهود ونصارى وكفى. والصفات المذكورة من عدم الإيمان بالله واليوم الآخر، وعدم تحريم ما حرَّم الله ورسوله، وعدم العمل بالدين الحق صفات كاشفة عن حقيقة العدو وليست منشئة للحكم بقتالهم. وقد فصَّل القول في هذه المرحوم محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق في رسالته القيمة:"القتال في القرآن". والواقع العملي لسنة رسول الله يؤيد ذلك، فقد سبق أنه - صلى الله عليه وسلم - عاهد اليهود من قبل وأقرهم على عقائدهم، وعاهد نصارى نجران، بل وعاهد أهل دومة الجندل وهو وثنيون