ومن سمات سماحة الإسلام مع مخالفيه من أهل الكتاب أن الله تعالى نهى المسلمين أن يبدأوهم بالجدل في أمور العقيدة والدين، وأداً للفتنة في مهدها. فإن اضطررنا لمجادلتهم، كأن يبدأونا هم فجدالنا لهم مقيد بضابط حكيم لا يقل أثراً عن ترك الجدل معهم في وأد الفتنة وإيغار الصدور، وهو أن نلتزم في الجدل معهم - إذا اضطررنا إليه - بأحسن مناهج الجدل وأبعدها عن الإثارة والتهييج، مع طرح مبادئ من شأنها أن تؤلف بيننا وبينهم، مع الحذر - كل الحذر - أن يفتنونا عما أنزل الله إلينا.
والنصوص القرآنية في هذا المعنى متعددة نكتفي منها بما يأتي:
أنظر إلى أي مدىَّ يترفق القرآن مع أهل الكتاب وهم يناصبونه العداء ...
فصجر الآية:{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ} يفيد أن الأصل تركجدالهم والإعراض عنهم.
ثم يستثنى من هذا الأصل - ترك الجدال معهم - حالة واحدة، هي الجدال بالتي هي أحسن, أي لا يثير فتنة ولا يوغر صدوراً، ولا يورث أحقاداً ... ثم يستثنى من هذه الحالة المستشناة - الجدال بالتي هي أحسن - حالة واحدة كذلك، هي معاملة الذين ظلموا منهم بمثل ما يعاملوننا به.
ثم أنظر - مرة أخرى - إلى ما تشير إليه الآية من طرح مبادئ وأصول من شأنها أن تؤلف بينا وبينهم:
فأولاً: قولوا لهم: آمنا بما أنزله الله علينا: القرآن، وبما أنزله عليكم: التوارة والإنجيل - كما تلقاهما موسى وعيسى عليهما السلام - من ربهما.
وثانياً: قولوا لهم: إن إلهنا وإلهكم واحد، هو الله.