للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المفسرين أن اليهود كانوا أقرب من الرون والفُرس لدنوهم من المدينة. فمعنى الآية إذا هو توجيه للمسلمين إلى الأصوب في خطة حرب متوقعة. فالبدء بالأقرب أحوط لما فيه من حماية ظهور المقاتلين وتأمين استراتيجيتهم الحربية، إذ لو بدأوا بالفُرس لانتهز الروم إما غزو المدينة، وإما الالتفاف على الجيش المسلم من الخلف، وقد جاء العمل العسكري الإسلامي تطبيقاً لهذا التوجيه الحكيم، حيث بدأ بنصارى العرب الخاضعين للروم قبل الروم أنفسهم وقبل الفُرس.

* الخلاصة: أن هذه الآية كسابقتيها ليس فيها دليل لمن قال إن علاقة المسلمين بغيرهم علاقة حرب لا علاقة سلام. وإلا لكان واجباً على مسلمي كل عصر وكل مكان أن يقاتلوا من يجاورهم من غير المسلمين. وهذا لم يقل به أحد سوى هذا الفريق الذين نناقش أدلتهم هنا. بل إن القرآن نفسه صريح في الدعوة إلى علاقة حسن الجوار لمن لا يتعرض لنا بأذى من غير المسلمين، وقد تقدم هذا في قوله في سورة الممتحنة: {يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ... } .

* * *

* الدليل الرابع:

أما دليلهم الرابع فكان: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} .

وَرَدُّ الاستدلال بهذه الآية عليهم يسير؛ لأن القتال الذي أمر الله به المسلمين في هذه الآية قتال لرد العدوان القائم من المشركين على المسلمين. ومعن "كما" فيها هو "التعليل" باتفاق بين عامة أهل اللغة والبلاغة والمفسرين:

أي قاتلوهم جميعأً، لأنهم يقاتلونكم جميعأً. ولا خلاف بين العلماء سلفاً

<<  <   >  >>