يمثل هذا النموذج خطوة أخرى حاسمة في الإقناع بقضية التوحيد، ويرتكز على الاستدلال العقلي المستندإلى النظام الكوني المحكم.
فهذا الكون - منذ وُجِد وإلى الآن - يسير على نظام دقيق من سنن الله الكونية، والقوانين المطردة في شئون الحياة فالسماء فوقنا، والأرض تحتنا، والأفلاك تسير حسب النظم الإلهية، والنجوم تلمع في السماء، والشمس تشرق وتغرب وتنتقل في أبراجها طوال العام لا يختلف عام عن عام، والقمر يبدأ هلالاً صغيراً ثم ينمو وينمو حتى يصبح قرصاً كاملاً في منتصف الشهر، ثم يتناقص ليلة فليلة حتى ينعدم تماماً في آخره ثم يعاود ظهوره مرة أخرى على النسق المعلوم، والرياح تهب، والسحب تمر، والغيث ينزل، والأرض تنبت، والناس والأنعام والطيور تمرح وتمرع، وأجيال تقدم وأخرى تحجم، والمواهب والأرزاق تتفاوت.
هذا النظام الحكيم من أقطع البراهين العقلية على أن مالك هذا الكون واحد متفرد ذو كمال مطلق، لا يحول ولا يزول، ولا تأخذه سنة ولا نوم؛ لأنه قيوم السموات والأرض لا يسأله أح عما يفعل؛ لأن الأمر له وحده، أما عن عداه فكلهم راجعون إليه، فَيُسأل كلاً منهم عما كانوا يعملون.
أما لو كان معه آلهة -كما يقولون - لفسد هذا النظام في السموات والأرض، نتيجة للصراع واختلاف الإرادات، وهذا شأن كل القوى والسلطات المتساوية في القدوة أو المتقاربة.