كان هذا التشريع، وهي سمة نهجها القرآن في الكثير من الأحكام التشريعية، كما في تحريم الخمور، فقد تدرج القرآن في تحريمها على أربع مراحل، لما كان لها من رواج في حياة الناس، ودور ملحوظ في وسائل الكسب المعيشي - أو الاقتصاد القومي بلغة العصر.
لذلك لم يحس المسلمون بأي ضيق لَّما فُرض عليهم القتال، ولا فوجئوا بأمر لم يتوقعوه، مع أن طبائع البشر تكره القتال، وتميل إلى الراحة والدعة، ومنذ ذلك الوقت صار القتال واجباً على المسلمين إذا دعت إليه ضرورة.
* * *
* لماذا شُرع القتال؟
لم تكن شريعة الإسلام أوحدية في مشروعية القتال، فالقرآن الكريم يقص علينا أنَّ كثيراً من الأنبياء مارسوا هذا الفن بإذن الله فقال:{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} .
والتاريخ النبوي لبني إسرائيل حافل بالمعارك بين الأنبياء ومعارضيهم، فليس القتال إذاً مسبة ولا نقضيه لا في الإسلام، ولا في غير الإسلام من الرسالات السابقة.
ومشروعية القتال في الإسلام من الضرورات التشريعية التي يلجأ إليها المسلمون حين لا يكون من حيلة إلا القتال، وهو لم يُشْرَع في الإسلام ليكون وسيلة للبطش والتجبر والقهر، وحباً في سفك الدماء ونهب الأموال والتشفي الأهوج، بل شرع لردع الظلم، وحماية الحق، ورعاية الفضيلة ولرد العدوان، شرع لإقرار التوازن في الأرض، وإشاعة السلام والأمن، والقضاء على الطغيان، وفي هذا الإطار كانت معارك المسلمين في عصر النبوة، وعصر الخلافة الراشدة، ومن سار سيرتهم من ولاة الأمور.
ومن الأهداف العليا في مشروعية القتال في الإسلام حماية الدين والعقيدة، ودحر الفتنة، وحماية المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، وكل أولئك مقاصد نبيلة، وقيم إنسانية مقدسة يجب أن تحمى وتصان.