وإزاء هذا الإصرار رقّ قلب أبي طالب وقال: أذهب يا بن أخي وقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبداً.
وحاولت قريش مرة أخرى التفاوض مع أبي طالب على أن بعطزه فتى وسيماً حكيماً من فتيانهم ليتخذه ولداً، ويعطيهم محمداً ليقتلوه؟ فثار أبو طالب في وجوهم وسفَّه رأيهم رفض ما أرادوا، وقال لهم: افعلوا ما بدا لكم.
* * *
* مؤامرة لقتل صاحب الدعوة:
فكرت قريش في قتل صاحب الدعوة، وحاولواذلك مرات ولكن الله أبى، لأنه حافظ رسوله من كيد الكائدين.
* * *
* مقاطعة بني هاشم وبني المطلب:
وفي العام الثامن من البعثة الشريفة عزمت قريش - إلا قليلاً منهم - على مقاطعة بني المطلب وبني هاشم عشائر النبي. وقرروا: أن لا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، ولا يجاسوهم، ولا يخالطوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، ولا يكلموهم حتى يسلموا لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقتلوه. وكتبوا بذلك صحيفة، وعلقوها في جوف الكعبة. فدعا رسول الله على كاتبها فشُلَّت يده.
إنه - بلغة العصر - حصار اقتصادي واجتماعي عنيف ضد النبي ومناصرية، وانحاز بنو المطلب وبنو هاشم إلى شِعْب أبي طالب، وقضوا فيه ثلاثة أعوام لقوا فيها عنتاً وفسوة وحُرِمُوا أسباب الحياة من الطعام والشراب، فأكلوا أوراق الشجر والجلود، وهزلت أجسامهم وأصفرت وجوهم من الجهد والحرمان.
وفي المحرّ من السنة العاشرة قام خمسة من شباب قريش أمهاتهم من بني المطلب فنقضوا الصحيفة ومزَّقوها وفكوا الحصار الذي كان مضروباً على النبي ومناصرية. ووجد هؤلاء الشباب الخمسة معارضة شديدة من سادات قريش، ولكن الله كان بالمؤمنين رحيماً.