بدء نزول الوحي على خاتم المرسلين، ومع أن هذه الآية وقفت عند حد الإذن، ولم تتجاوزه إلى الوجوب، فقد بيَّنت وجه حكمة التشريع فيه:
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا....} أي أن القتال المأذون فيه سببه الظلم الواقع من الذين قاتلوا على الذين قوتلوا، أي قتال لردع الظلم ودفع العدوان، ثم بيَّنت الايتان التاليتان وجوهاً أخرى من وجوه حكمة التشريع في الإذن بالقتال:
فبالقتال يدفع الله به ظلم الظالمين، وتُصان الحرمات، وتحمى القيم الدينية، ولولا إذن الله فيه لكثر الفساد في الأرض، ولهدَّمت دور العبادة على مدى التاريخ النبوي كله، ولامتُهِنت الحقوق لدى من لا دين لهم ولا خُلُق. ثم بين - سبحانه وتعالى - أن القتال المأذون فيه مقصور على أنصار الحق وحماة الفضيلة، الذين إن مُكِنَّ لهم في الأرض أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن النكر، أى لا يتخذون من تمكين الله لهم في الأرض وسيلة للظلم والفساد، وإنما هم يصرفون قدراتهم التي مَنَّ الله عليهم بها في نصرة الحق، وامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه ويسيرون سيرة حسنة، لا كمن إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحَرْث والنَسْل.
* * *
* أثر الإذن بالقتال بعد الهجرة:
وقائع السيرة الطاهرة بعد الهجرة فيها آثار حميدة ترتبي على مشروعية الإذن بالقتال، وهذا ظاهر في حركة النشاط العسكري المبكر الذي يتمثل في البعوث والسرايا التي أمرها صاحب الدعوة بأن تجوب المناطق الواقعة حول المدينة، ومعرفة مداخلها ومخارجها تأميناً لمجتمع المدينة.
* * *
* البعوث والسرايا:
هذان مصطلحان السيرة، والمراد منهما واحد: هو إرسال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجموعات صغيرة من أصحابه، يكلفهم بمهام عسكرية خفيفة هي استطلاع شبكة الطرق