حكت سورة "ص" - وهي مكية - تعجب المشركين من عقيدة التوحيد في قوله تعالى: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} .
وبنوا إنكارهم وتعجبهم من عقيدة الإله الواحد (الله) على شبهتين:
أولاهما: أنهم لم يسمعوا بهذه العقيدة كما حكى القرآن عنهم قولهم: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ..} يقصدون ما كان يروجه النصارى من عقيدة التثليث، وملًّة عيسى هي الملة الآخرة.
والأخرى: إنكار أن يكون الله قد خصًّ محمداً - صلى الله عليه وسلم - بإنزال القرآن عليه من دونهم، وهم - في نظرهم - أولى منه بهذا الفضل:{أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا} ؟!
* المواجهة:
من منهج القرآن الأمين أن يذكر شبهات الخصوم على الوجه الذي أوردوها فيه بكل أمانة وصدق. ثم يكر عليها واحدة واحدة، فلا يبقى لها على أثر في ميدان الجدل والحوار، وهنا تراه قد ذكر قُطب مقولتهم كما رددوها. ثم جاء دور الرد عليها على النسق الآتي:{بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي ... } .
انتقل من تصوير مقولتهم في إنكار عقيدة التوحيد والتعجب منها، وفي إنكار أن يكون صاحب الدعوة أهلاً لنزول القرآن عليه من دونهم؛ لأنهم - حسب زعمهم - أحق منه بهذا لو كان فعلاً أنًّ ما يقوله وحي من عند الله.