ففي رجب سنة خمس من البعثة هاجر أول فوج من مكة إلى الحبشة مكوناً من اثنى عشر رجلاً وأربع نسوة، كان يرأسهم عثمان بن عفان، ومعه زوجه الطاهرة رقية بنت صاحب الرسالة. وفي هذه الهجرة يقول - صلى الله عليه وسلم -: "إنها أول بيت هاجر في سبيل الله بعد إبراهيم ولوط عليهما السلام". وخرج الفوج من مكة ليلاً حتى لا تشعر بهم قريش فتحول بينهم وبين الخروج.
ثم هاجر المسلمون مرة ثانية إلى الحبشة لما أشتد عليهم العذاب من قريش، وكان عددهم نحواً من ثلاثة وثمانين رجلاً، وتسع عشرة امرأة، وقد أكرم النجاشي ملك الحبشة وفادتهم، وقد حاولت قريش أن يتخلى النجاشي عنهم، ولكن الله أحبط محاولاتهم ومكَّن لمهاجري المسلمين المقام الكريم في الحبشة.
* * *
* تهديد أبي طالب:
مشى سادات قريش إلى أبي طالب عم النبي يهددونه بالحرب إذا لم يكف صاحب الرسالة عنهم، وقالوا له:"يا أبا طالب، إن لك سناً وشرفاً ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك ابن أخيك فلم تنه، وإنَّا - والله - لا نصبر على هذا من شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك حتى يهلك أحد الفريقين".
ولما قص أبو طالب القصة على صاحب الرالسة وقال له:"هوّن علىَّ وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق، وثب عليه السلام وثبته الخالدة وقال لعمه: "والله - يا عماه - لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري وخزائن الأرض طوع يدىّ، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى أهلك فيه، أو يظهره الله".