فبين في صدر المواجهة أن المسألة ليست إنكاراً للتوحيد ولاختصاص صاحب الدعوة بالوحي فحسب، بل الواقع أنهم في شك من قضية الوحي جملة. وأن السبب في هذا الشك واستمراره هو إمهال الله لهم، حيث لم يعجل لهم العذاب ...
ومع هذا الإمهال فإن العذاب نازل بهم - لا محالة -؛ لأن {لَمَّا} في قوله تعالى: {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} تأتي لنفي الفعل بعدها في الحال وتؤذن بقرب وقوعه: اي لما يذوقوا عذابي وسيذوقوه قريباً، كما قال الشاعر:
أشواقاً ولمَّا لي غير ليلة فكيف إذا جدَّ المسير بنا شهراً
يتعجب من شدة الشوق لمفارقته أهله قبل أن تنقضي الليلة الأولى من رحيله عنهم، فكيف الحال إذا بلغ الرحيل شهراً.
* * *
* الخطوة الثانية في المواجهة:
ثم انتقل البيان القرآني إلى الخطوة الثانية من المواجهة في الآيتين الآتيتين:
لما أنكر المشركون مبدأ التوحيد، وتعجبوا منه، وجعلوا الأصل هو التعدد في الآلهة. ثم أنكروا أن يكون محمد - صلى الله عليه وسلم - هو المختار لتلقي الوحي وتبليغه، لما فعلوا ذلك فقدزجزا بأنفسهم في مجال ليسوا هم أهله وتطاولوا في الجعوى وأنزلوا أنفسهم في غير منازلها، لذلك واجه القرآن هذا الغرور وتلك الجهالة، فتساءل منكراً عليهم ما ادعوه لأنفسهم:
هل هم يملكون خزائن رحمة الله العزيز الذي لا يُقهر، الوهاب بفيوض النعم صغيرها وكبيرها - ومنها النبوة التي آثر بها عبده ورسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم -؟ إن كان تلك الخزائن فليوزعوا رحمة الله ونبواته تبعاً لأهوائهم وتصوراتهم؟