معاهدة النبي - صلى الله عليه وسلم - لليهود وثيقة من أعظم وثائق التاريخ على سماحة الإسلام، وسعة صدره. فقد أقر اليهود على عقائدهم وشعائرهم الدينية. ولم يُكْرههم على قبول الإسلام وهم له رافضون. ولو كان من مبادئ الإسلام حمل الناس على اعتناقه بالقوة لما وضع صاحب الرسالة - صلى الله عليه وسلم - تلك المعاهدة العادلة بينه وبينهم، ولناصبهم العداء منذ قيام دولة الإسلام في المدينة، أو لأهملهم دون أن يعقد معهم أي اتفاق ريثما يستعد لمصاولتهم، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث.
وظل اليهود يتمتعون بالمزايا الدينية والاجتماعية، ويرفلون في حلل الحرية والأمن دون أن يتعرض لهم أحدٌ بسوء، عملاً بما جاء في تلك المعاهدة المبرمة بين الطرفين. وفيَّ لهم المسلمون بكل حرف فيها، ولكن لما نقض اليهود أنفسهم بنود المعاهدة، وتآمروا على الإسلام وعلى المسلمين، وناصروا عدو المسلمين عليهم وجب أن يعاملوا بالمثل كما سيأتي في الفصل الخامس من هذه الدراسة.
* * *
* صلح الحديبية:
بعد هجرة المسلمين إلى المدينة ظلوا محرومين من دخول مكة، والبيت الحرام للصلاة فيه والطواف حول الكعبة، والسعي بين الصفا والمروة ست سنين، وقد طال شوقهم إلى مكة والبيت الحرام. ورحمة من الله بعباده أرى رسوله رؤيا منامية - ورؤيا الأنبياء وحي - أنه هو وصحُبه يدخلون المسجد الحرام للعمرة آمنين، محلَّقين رءوسهم ومقصَّرين. فقص النبي أمر هذه الرؤيا على أصحابه ففرحوا. وخرج عليه السلام إلى مكة للاعتمار في ألف وخمسمائة من أصحابة وساقوا معهم الهعدى وقلَّدوه ولم يحملوا معهم سلاح قتال، وبث النبي العيون ليأتوه بخبر قريش ماذا تفعل إذا علمت بمقدم المسلمين بقيادة صاحب الدعوة - صلى الله عليه وسلم -.
وجاءته العيون تؤكد إصرار قريش على قتاله ومنعه من دخول مكة، وحين عسكر النبي وأصحابه قريباً من مكة عندى الحديبية، جهزت قريش جيشاً بقيادة خالد بن الوليد قبل أن