وهذا - فيمل يبدو - معنى بعيد، إذ كيف تعزل آية واحدة هذا القدر من الآيات مع إمكان الجمع بين كل هذه الأدلة كما تقدم، ويحبط بالقول بالنسخ في هذا الموضوع غموض آخر يجعل الجزم بالنسخ في أي من النوعين مستحيلاً، وهو ما تراه من تقديم وتأخير بين الآيات التي في إن بعضها نسخ الآخر، تقديم وتأخير في ترتيب الآيات في السور، وتقديم وتأخير في النزول، وهذا ملحظ لو تتبعناه لطال بما الحديث. فنكتفي بمجرد الإشارة إليه، ونخلص من هذا كله إلى أن الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هي السلام لا الحرب، وقد تواترت الأدلة القولية والعملية على صدق هذا المذهب وصحته.
أما أدلة من قالوا: إنها علاقة حرب لا سلام فلم يُسلَّم لهم الاستدلال بالنصوص التي ساقوها. وقد ناقشناها في إيجاز وبيَّنا درجة الاستدلال بها من القبول والرد، وهذا المذهب -: مذهب القول بالعلاقة السلمية - هو اللائق بسماحة الإسلام التس سقنا عشرلت الأدلة عليها في كل فرع من فروع هذه الدراسة. فالإسلام هو دين السلام في هذه الحياة الدنيا، سلام لجميع البشر لا للمسلمين خاصة، فالدماء والحقوق فيه مصونة بصرف النظر عن أي اعتبارت أخرى ترجع إلى الدين أو الجنس أو اللون, لكت شريطة أن لا يعتدي علينا أحد بقول أو فعل، وأن لا تنتهك حرماتنا ومقدساتنا، فإن صنع أحد معنا شيئاً من هذا فالمعاملة بالمثل هي الواجبة.
فإذا وجب قتال العدو، فالإسلام السمح الرحيم يوجه الجنود المسلمين توجيهاً أخلاقياً ليس له في غير الإسلام مثيل:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} .
فلا نقاتل إلا من قاتلنا، ولا نعتدي على من لم يقاتلنا، وفي السُنّة الطاهرة، والفقه الإسلامي أن أصنافاً من قوم الذين يقاتلوننا لا نقتلهم - وإن ظفرنا بهم - ولا نتعرض لهم بسوء قط وهم: النساء - الصبيان - الأجير - الضعيف -