للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عقب الهجرة مباشرة. وترجع أهمية هذا الجانب إلى أن أعداء الإسلام المعاصرين قد يقولون - وقد قال بعضهم بالفعل - إن المسلمين في مكة، قبل الهجرة تحمّلوا ما تحمَّلوا، لأنهم كانوا ضعفاء ولا قُدرة لهم على جحافل قريش وهم ذوو قوة وبطش.

أما في العهد المدني بعد الهجرة فمثل هذا القول غير متاح لأعداء الإسلام فالله قد أعز فيه الإسلام بعوامل قوة لم تُتَح لهم قبل الهجرة.

* فمن ذلك إعزاز الله الإسلام بالأنصار من أوس وخزرج وهم أهل يثرب. بما لهم من قوة عددية، وخبرة قتالية، وتمرس على فنون القتال.

* ومنها جمع شمل المهاجرين من أهل مكة، وحصولهم على الأمن والاستقرار.

* ومنها تنظيم مجتمع المدينة الجديد، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.

* ومنها قيام الدولة الإسلامية الحديثة متمتعة بكل ما تتمتع به الدول قديماً وحديثاً من أركان قيام الدول واستقلالها. ومع هذا توشحت الدعوة إلى الإسلام في ظل هذه القوة بالسماحة وسعة الصدر كما كانت قبل الهجرة، وإذا أمكن لأعداء الإسلام أن يُفسّروا سماحة الدعوة قبل الهجرة بالضعف وقَلَّة الحيلة، فلن يمكن لهم أن يُفسّروا سماحة الدعوة بعد الهجرة ذلك التفسير، ولو فعلوا ما صدَّقهم أُحد. هذا هو معنى الأهمية الذي أشرنا إليه من قبل، ولنأخذ - الآن - في سوق الأدلة من السيرة العطرة المنقولة إلينا عبر الأجيال والعصور نقلاً متواتراً.

* * *

* معاهدة اليهود وإقرارهم على عقائدهم:

عادى اليهود الدعوة إلى الإسلام من أول يوم سمعوا بها فيه، لأن التوراة التي كانت بين أيديهم بشَّرت - مرات - برسول جديد يختم به الله الرسالات السماوية، وكانوا يعتقدون أنهم سيكونون مصدر ذلك الرسول، وكانوا يهددون أهل يثرب بظهوره منهم فتكون لهم الغلبة عليهم في يثرب. فلما بعثه الله من العرب حقدوا وحسدوا وأضكروا العداء، ثم توَّرط في محاربة الدعوة قبل الهجرة، إذ كانوا بمثابة المستشار لمشركي مكة، الذين كانوا يلجأون إلى اليهود، لأنهم أهل كتاب، ولهم خبرة بالتاريخ النبوي

<<  <   >  >>