كل هذه الظروف - وأمثالها - تجعل القتال مشروعاً على سبيل الوجوب: فاحتلال الأقطار الإسلامية، والاعتداء على حرمات المسلمين كما يقع الآن في كثير من البلاد الإسلامية، مثل مأساة الشعب المسلم في البلقان بإخراجه من أرضه، والعبث بحرمات نسائه وفتياته، وهدم دور العبادة واعتداء الهنادك على مقدسات المسلمين في الهند، كل هذه الظواهر تجعل القتال واجباً على كل قادر من المسلمين، لتُصان الدماء وتحفظ الديار، وتحمي الأعراض. والتقاعس عن القتال في هذه الأحوال نكسة وقصور من العالم الإسلامي عربيه وغير عربيه.
أما الضوابط في السُّنَة وفي سيرة الخلفاء فقد أشرنا إلى بعضها عند تفسير معنى الاعتداء المنهي عنه في الآية السابقة ويمكن التعبير عنها بكلمة جامعة وهي: حظر ضرب الأهداف المدنية - كما هو معروف في الفقه الدولي الحديث - أي أن الجيش حين يخوض حرباً واجبة شرعاً، فعليه أن يقتصر في حربه على قتال من حمل السلاح من العدو وجابهنا به، أو شارك فيه بأي لون من ألوان المشاركة، كالتخطيط، ونقل المؤن والعتاد والجنود إلى ميدان القتال، أو المؤسسات الحربية ومركز القيادات وإصدار الأوامر وتدبير شئون القتال.
أما النساء والأطفال وكبار السن ورجال الدين والرهبان الذين حبسوا أنفسهم في أديرتهم ومعابدهم ولم تكن لهم صلة بأمور الحرب الدائرة، وكذلك الزروع والماشية والمؤسسات المدنية كمخازن المياه والتموين الغذائي للمدنيين، والطرق غير الحربية، ومراكز الطاقة الحيوية المتصلة بحياة العامة اليومية، والمدارس والمعاهد والجامعات والمستشفيات المدنية، فهذه كلها لا يتعرض لها بسوء أخذاً بسنة صاحب الرسالة - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين، والاعتداء عليها داخل في الاعتداء المنهي عنه في الآية الحكيمة التي تقدم نصها.
هذا هو ما يرجحه كثير من الفقهاء ولكنه مشروط بشرط عادل ومهم وهو: أن لا يعتدي علينا العدو بضرب هذه الأهداف لدينا، فإذا اعتدى العدو علينا بضرب الأهداف المدنية جاز لنا ضرب ما تصل إليه أيدينا من منشآته المدنية، معاملة بالمثل، لقوله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} .