للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من إخلاص النصح والتوجيه القرآني أن في هذه الآية الناطقة بكل وضوح بتقرير مبدأ حرية الاعتقاد بين الإيمان والكفر لوَّحت مرة وصرّحت أخرى أن الإيمان والكفر ليسا سواء.

أما التلويح فحيث قَّدمت مشيئة الإيمان لضرفه على مشيئة الكفر لخسته.

وأما التصريح فقد عقبت الحديث عن اختيار الكفر بالتنفير منه، حيث ذكرت مصير الكافرين في الحياة الآخرة.

حيث اعدَّ الله لهم ناراً. أحاط بهم سورها إحاطة الظرف بالمظروف فلا مخرج منها ولا مفر: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} .

وإن طلبوا الإغاثة من حَرَّها بما يبرد أكبادهم، ويُذهب لظى أحشائهم جاءهم الغوث ولكن بغير ما أرادوا: ماء حار قبيح اللَّون إذا وضعوه على أفواهم ليشربوه شوى وجوهم وجلودهم. فإذا وصل إلى أجوافهم قطع أمعاءهم. وضاعف شقاءهم. فبئس هو شراباً، وساء هو رفيقاً: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} .

أما الماء العذب الزلال فهم محرمون منه، وهو محرَّم عليهم: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} .

ظاهر من سياق آية الكهف أن القرآن حريص كل الحرص - وهو يقرر مبدأ حرية الاعتقاد - أن يؤكد أن هذه الحرية ليست مستوية الطرفين. وفي هذا إخلاص في النصح والتوجيه وأمانة في البلاغ والإبلاغ، لئلا تكون هذه الحرية المقصورة على الحياة الدنيا سبباً في هلاك فريق من العباد يرون أن الإيمان والكفر سيان في ميزان العدل الإلهي محياً ومماتاً. ولكن مع بيان هذه التفرقة بينهما يتحمل كل إنسان نتائج اختياره في الدنيا والآخرة

<<  <   >  >>