وهذا كله لا إشكال فيه، لكن الباحث عاد مرة أخرى في ذكره للعلماء الذي تابعوا مسلماً على رأيه فنقل عن النووي قوله في "التقريب": "والصحيح الذي عليه العمل وقاله الجماهير من أصحاب الحديث والفقه والأصول أنه متصل، بشرط أن لا يكون المعنعن مدلساً، وبشرط إمكان لقاء بعضهم بعضاً".
ولا شك أن كلام النووي في هذا النص يوهم تناقضه مع ما قاله في "شرح مسلم"، ولكن بعد التأمل تبين لي أن رأيه في الكتابين واحد لا اختلاف فيه، وهو ترجيحه القول بعدم الاتصال، وأما ما نقله الباحث من "التقريب" فهو ناقص، وغرض النووي منه الرد على من ذهب إلى عدم قبول العنعنة مطلقاً، واشترط التصريح بالتحديث دائماً، فبين النووي أن جماهير العلماء على قبول العنعنة، وأنهم اتفقوا على اشتراط بعض الشروط، وهما الشرطان اللذان في النص السابق، ثم ذكر بعد ذلك من اكتفى بهما، ومن زاد عليهما، ونسب اشتراط ثبوت اللقاء إلى البخاري، وابن المديني، والمحققين.
وهذا نص النووي تاماً ليتضح منه عدم التناقض بين كلاميه:"الإسناد المعنعن - وهو فلان عن فلان - قيل: إنه مرسل، والصحيح الذي عليه العمل وقاله الجماهير من أصحاب الحديث والفقه والأصول أنه متصل، بشرط أن لا يكون المعنعن مدلساً، وبشرط إمكان لقاء بعضهم بعضاً، وفي اشتراط ثبوت اللقاء، وطول الصحبة، ومعرفته بالرواية عنه - خلاف، منهم من لم يشترط شيئاً من ذلك، وهو مذهب مسلم بن الحجاج، وادعى الإجماع فيه، ومنهم من شرط اللقاء وحده، وهو قول البخاري، وابن المديني، والمحققين ... "(١).